البراء بشير

البراء بشير

كاتب صحفي

• خلق الله الإنسان وجعل حياته مراحل، أولها مهد، وآخرها لحد، وبينهما يتعلم الإنسان ضروريات الحياة إن مدّ الله في عمره ولم يمت صغيراً، فيستهل حياته بصرخة الحياة، ثم يكون الصراخ والبكاء نهجاً له في تواصله مع من حوله، وتكون حركته في بادئ الأمر يسيرة لا تتعدى حيّزه الذي يرقد فيه، ومع مرور الوقت تزداد حركته ويزداد نطاقها حتى يحبو ثم يمشي، وكذلك التواصل يأتي على مراحل، فهو يبدأ بالصراخ والبكاء كما أسلفت، والتوشوش بأصوات تشبه هديل الحمائم، حتى يبلغ مرحلة الكلام التي تسير هي ذاتها على مراحل حتى يبلغ الفصاحة في عمرٍ متقدم، وذلك ديدن البشر المعهود. ولكن اقتضت حكمة الله عزّ وجل أن ينطق أُناس في مهدهم كما ورد في الحديث، منهم المسيح عيسى ابن مريم (عليه السلام)، وصاحب جريج العابد، ورضيع بني إسرائيل، ويضاف إليهم في بعض الروايات المُختلف حولها ابن ماشطة ابنة فرعون، وشاهد يوسف – الذي اختُلف في أمره هل هو طفل أم شيخ -، وطفل أصحاب الأخدود.

وسأتطرق إلى شأن ثلاثة منهم في هذا المقال:

أولاً: المسيح عليه السلام، وقصته كما وردت في القرآن الكريم أنّ الله أنطقه ليثبت براءة أمه العذراء مما اتهمها به قومها. وكذلك كان كلامه في المهد معجزة له، فهو نبي مرسل الآية: (قال إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيا). 

ثانياً: صاحب جريج وقد وردت قصته في حديث أبي هريرة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم-. ومضمون القصة أن جريجاً هذا -وهو رجل عابد من بني إسرئيل- كان يصلي وأتته أمه فدعته فقال: أجيبها أم أصلي؟ فاختار ألا يجيبها فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات. وبعد ذلك إذ هو في صومعته تعرّضت له امرأة بغي وكلمته فأبى أن يجيبها. فأتت راعياً فأمكنته من نفسها، فولدت غلاماً، فافترت على جريج كذباً ونسبت الغلام له. فأتى القوم جريجاً وأنزلوه من صومعته وحطموها وسبّوه، فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام فقال: من أبوك يا غلام؟ قال: الراعي. ويبدو أن القوم حينها تداركوا أنفسهم وندموا على فعلتهم، وورد في الحديث أنهم قالوا له: نبني صومعتك من ذهب فقال: لا إلا من طين. وفي هذه القصة بيانٌ لعِظم حق الوالدين، واستجابة الله لدعائهما لأبنائهما أو على أبنائهما إن كان بحق، وقال الشيخ ابن باز إنّ أمه قد دعت عليه لأنها رأت أنه قطع رحمها ولها حق عليه، فأجاب الله دعوتها ليُري عباده العِبَر.

ثالثاً: الطفل الرضيع من بني إسرائيل، وقد وردت هذه القصة في الحديث الشريف ذاته، الذي ذُكر فيه عيسى – عليه السلام- وقصة صاحب جريج. وفحوى قصته أن امرأة من بني إسرائيل كانت ترضع طفلاً لها، فمرّ بها رجل من أكابر القوم وأشرافهم يركب على دابةٍ فارهة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك الرضيع ثدي أمه ونظر إلى الرجل وقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل بعض الناس بجاريةٍ يضربونها ويقولون لها: زنيتِ، سرقتِ وهي تقول: حسبنا الله ونعم الوكيل فقالت المرأة: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فأطلق الطفل ثدي أمه مرة أخرى ونظر إلى الجارية وقال: اللهم اجعلني مثلها. ثم تراجع الولد وأمه الحديث، وسألته أمه عن هذا الشأن، فأخبرها أنّ الرجل كان جباراً عنيداً، لذلك قال: اللهم لا تجعلني مثله. وأما الجارية فقد كانت طاهرة مظلومة مفوِّضةً أمرها لله، لذلك قال: اللهم اجعلني مثلها.

 ولله عزَّ وجل في كل قصة من القصص حكمة وبيان للناس.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *