إعداد: م. معتصم تاج السر
عضو مؤسس لحركة السودان الأخضر

بقلم الاستاذ : كمال إدريس
• مع تنامي التحديات العالمية المتلاحقة، من تغير مناخي إلى أزمات اقتصادية وتهديدات متصاعدة للأمن الغذائي، يبرز دور محوري لا غنى عنه، دور أولئك الرجال والنساء الذين يكافحون في صمت بين ثنايا التربة ليرسموا بأيديهم ملامح الغد المشرق. إنهم جنود التنمية الخضراء، المهندسون والمهندسات الزراعيون، الذين نحتفي بهم اليوم في اليوم العربي للمهندس الزراعي.
هي وقفة اعتراف بالجميل وتقدير لعطاء لا ينضب. إنه تحية لإبداع أولئك الذين يزرعون الأمل في كل حبة تراب، ويحولون التحديات إلى فرص، ويبتكرون حلولاً ذكية لتعظيم إنتاجنا من الغذاء، حاصدين بذلك الأمن الغذائي للوطن العربي وسداً منيعاً في وجه الجوع وانعدام الأمن.
لم يعد القطاع الزراعي مجرد نشاط تقليدي يرتبط بالماضي، بل أصبح اليوم أحد أهم ركائز الاقتصاد الوطني في دولنا العربية، ومحوراً أساسياً لتحقيق ركائز التنمية المستدامة. من خلال إدارة متجددة للموارد المائية الشحيحة، وتبني التقنيات الحديثة كالزراعة الذكية والزراعة الرقمية، والعمل على حماية التنوع الحيوي، يصبح المهندس الزراعي حارساً أميناً على ثرواتنا الطبيعية وضامناً لاستمراريتها للأجيال القادمة.
إن الاحتفاء بهم هو احتفاء بالعقل الذي يخطط، والعلم الذي يبتكر، واليد التي تبني. فهم بحق مهندسو الحياة، وسفراء الأمن الغذائي، وحلفاء الأرض في معركتها من أجل البقاء والإنتاج.
يشهد اليوم العربي للمهندس الزراعي احتفاءً بجنود التنمية الخضراء الذين يزرعون الأمل في كل حبة تراب ويحصدون الأمن الغذائي للوطن العربي، حيث يشكّل القطاع الزراعي العربي اليوم أحد ركائز الاقتصاد الوطني ومحوراً لتحقيق الاستدامة وحماية الموارد البيئية.

الزراعة العربية: أرقام وحقائق
في السودان بلغ إنتاج الحبوب في موسم 2025 حوالي 6.7 مليون طن، بزيادة 62% عن العام السابق، رغم الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد بسبب النزاعات والانكماش الاقتصادي. تشمل هذه الحبوب الذرة الرفيعة (5.4 مليون طن)، والدخن (حوالي 793 ألف طن)، والقمح (490 ألف طن)، ولكن الإنتاج الإجمالي يظل أقل من إمكانات السودان الزراعية التي توصف بأنها الأكبر في إفريقيا، حيث يمتلك أكثر من 200 مليون فدان صالح للزراعة.
ومقارنة مع الوضع في السودان فإن الإنتاج الزراعي في موسم 2025 في المملكة العربية السعودية إلى أكثر من 70 مليون طن، وارتفع إنتاج القمح إلى 1.5 مليون طن، بينما سجل إنتاج التمور رقمًا قياسيًا يُقارب 1.9 مليون طن سنويًا بفضل جهود المهندسين الزراعيين وتقنيات الري الحديثة، وهؤلاء صدروا منتجاتهم إلى أكثر من 80 دولة حول العالم. القطاع الزراعي يساهم اليوم بنحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي السعودي بقيمة تجاوزت 30 مليار دولار هذا العام، مع نمو سنوي يقارب 8% رغم التحديات المناخية.
جهود الهندسة الزراعية في الاستدامة
بفضل الابتكار الهندسي الزراعي، توسعت مساحات البيوت المحمية لتغطي أكثر من 5 ملايين متر مربع بالرياض وحدها، فيما بلغت الزراعة العضوية أكثر من 27 ألف هكتار موزعة على 512 مزرعة عضوية و225 منفذ بيع. ساهم قطاع الاستزراع المائي في رفع إنتاج الأسماك من 30 إلى 100 ألف طن خلال أقل من عقد، وأصبحت المملكة تحقق الاكتفاء الذاتي في محاصيل استراتيجية مثل الطماطم، الحليب، وبيض المائدة.

رسالة للمهندس الزراعي العربي
يتجاوز دور المهندس الزراعي المعطيات التقنية ليشمل الريادة في الأمن الغذائي والتحوّل المناخي والتحوّل الرقمي للزراعة. هؤلاء المهندسون هم العقل المدبر لمشاريع ضخمة حول استصلاح الأراضي وزيادة إنتاجية الحقول، ويقودون ثورة رقمية وبيئية غير مسبوقة في تاريخ المنطقة.
بأرقامهم، وأفكارهم، وأيديهم التي تحمل بذرة الغد، يستحق المهندس الزراعي العربي أن نحتفي به اليوم ونُذكّر بما جاد به من طموح لمستقبل أكثر اخضرارًا واستدامة، فعيدكم أخضر، ومستقبلنا بجهودكم ينمو ويزدهر.
إن الدور المنتظر من قطاع المهندسين الزراعيين في نهضة السودان يتلخص في قيادة التحول من الزراعة التقليدية إلى الزراعة الحديثة عالية الإنتاجية، عبر تبني التقنيات والابتكار، ونقل الممارسات العالمية للمزارعين، وتطوير برامج الإرشاد والتدريب المتخصص، مع التركيز على الاستدامة وحسن إدارة الموارد الطبيعية.
جسر البحث العلمي والمزارعين
وينتظر من المهندس الزراعي السوداني أن يكون الجسر الفعّال بين مراكز البحث العلمي والمزارعين، وذلك من خلال نقل التقنيات الحديثة للممارسة الحقلية، وتعريف المنتجين بأساليب الري الذكي واستعمال البذور المحسّنة، وتجسير فجوة المعرفة عبر الاستشارات والدعم المهني المباشر. إن تفعيل برامج الإرشاد ونشر الممارسات العلمية سيزيد الإنتاجية ويعزز جودة المحاصيل الزراعية، وبالتالي يساهم في الأمن الغذائي الوطني.
والسودان في حاجة إلى دور قيادي من المهندس الزراعي في تأسيس وتنظيم الجمعيات التعاونية الزراعية التي تتيح الحصول على مدخلات الإنتاج والتسويق الجماعي بكفاءة، وتدفع لمشاريع الاقتصاد الزراعي الكبير وممرات الصناعات الزراعية لزيادة القيمة المضافة في القطاع. فالخبرة الهندسية ضرورية في النهوض بالبنية التحتية للري وتطبيق الميكنة الزراعية وتفعيل برامج التأهيل المهني للمزارعين.

مواجهة تحديات المناخ والحوكمة
يكمن دور المهندسين الزراعيين أيضًا في وضع حلول لمشاكل الجفاف والتصحّر، وتوسيع تبني الزراعة العضوية وتقنيات حصاد المياه والري الحديث. عليهم المشاركة النشطة في وضع السياسات والحوكمة الزراعية لضمان استدامة الموارد الطبيعية وتحقيق طفرة إنتاجية قائمة على العلم والمعرفة الحديثة.
بدعم وتأهيل قطاع المهندسين الزراعيين سيتمكن السودان من تحويل إمكاناته الزراعية الهائلة إلى رافعة رئيسية للاقتصاد وتحقيق نهضة تنموية شاملة ومستدامة، وبمناسبة يوم المهندس الزراعي العربي نرفع التحية لكافة العاملين في هذا القطاع الحيوي تقديراً لجهودهم في دعم المواطن والتنمية في بلادهم.
كلمة الإعداد.. الوعد والمنى
في يوم المهندس الزراعي العربي الذي يوافق التاسع من سبتمبر من كل عام، نرفع أسمى آيات التقدير لكل من جعل من الأرض كتابه، ومن البذرة حلمه، ومن الخضرة رسالته.
في هذا اليوم، يتجدد الوعد بأن الزراعة ليست مهنة فحسب، بل هي طريق للحياة.
تتجدد المنى بأن يكون السودان بسهوله ووديانه وخصوبته في صدارة الدول الخضراء.
وتأتي رؤية حركة السودان الأخضر للتغيير الإيجابي الإنسيابي الإبداعي الأخضر لتؤكد أن الزراعة هي المفتاح لبناء وطنٍ معافى، اقتصاداً ومجتمعاً ووجداناً عبر إنتاج عضوي نقي يليق بإنسان السودان.
بهذه المناسبة العزيزة تتقدم حركة السودان الأخضر بأحر التهاني لكل المهندسين الزراعيين من عضويتها ومن أبناء الشعب السوداني، ولكل المهندسين الزراعيين في أقطار أمتنا العربية.
سائلين الله أن يكون هذا اليوم فاتحة خيرٍ وبشارةً لأرضٍ معطاءٍ وشعوبٍ موحدة.
وأن تتحقق أمانينا في وطنٍ يسوده السلام، وتظل راياته خضراء إلى الأبد.
شارك المقال
