
د. طارق عشيري
أستاذ العلوم السياسية والدراسات الاستراتيجية في الجامعات السودانية
• تعود العلاقات السودانية-الروسية إلى عام 1956، عندما أُقيمت العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفيتي والسودان حيث شهدت هذه العلاقات تطورًا ملحوظًا خلال ستينيات القرن الماضي، حيث تم توقيع اتفاقيات طويلة الأمد لتعزيز التعاون في مجالات متعددة.
في مطلع السبعينيات، قطعت القيادة السودانية العلاقات مع الاتحاد السوفيتي من جانب واحد. ومع ذلك، بعد الانقلاب العسكري عام 1985، بدأت العلاقات تعود تدريجيًا إلى مسارها الطبيعي. وفي ديسمبر 1991، اعترفت السودان رسميًا بروسيا الاتحادية كخليفة للاتحاد السوفيتي.
في السنوات الأخيرة، خاصة بعد عام 2015، شهدت العلاقات بين البلدين تقاربًا أكبر. سعت روسيا إلى تعزيز وجودها في السودان من خلال التعاون في مجالات التعدين، الطاقة، والتعاون العسكري. كما تم التباحث حول إقامة قاعدة لوجستية روسية على البحر الأحمر في بورتسودان، مما يعكس الاهتمام الروسي بالموقع الاستراتيجي للسودان.
مع اندلاع النزاع المسلح في السودان عام 2023، استمرت روسيا في تعزيز علاقاتها مع الخرطوم. في يونيو 2024، أُعلن عن اتفاق بين البلدين يقضي بتزويد روسيا للجيش السوداني بالأسلحة والذخيرة مقابل إقامة محطة للوقود في البحر الأحمر. هذا التقارب أثار مخاوف دولية وإقليمية بشأن تأثيره على استقرار المنطقة.
بشكل عام، تتسم العلاقات السودانية-الروسية بالتقلب، متأثرة بالتحولات السياسية الداخلية والخارجية. ومع ذلك، يظل التعاون بين البلدين قائمًا، مع سعي كل منهما لتحقيق مصالحه الاستراتيجية في المنطقة.نجاح الاستراتيجية السودانية-الروسية يعتمد على عدة عوامل سياسية، اقتصادية، وأمنية. التعاون بين السودان وروسيا تطور بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، خاصة في مجالات التعدين (مثل الذهب) والتعاون العسكري. ومع ذلك، تحقيق النجاح الحقيقي لهذه الاستراتيجية يتطلب معالجة تحديات عدة منها لابد وضحها في الحسبان وهي
التوازن الجيوسياسي بما ان السودان في موقع حساس بين الدول الغربية ودول المنطقة، وأي تعاون مع روسيا قد يواجه ضغوطًا من قوى دولية أخرى و استقرار السودان عامل حاسم. أي توترات داخلية أو صراعات قد تعيق تنفيذ مشاريع استراتيجية مشتركة مع روسيا.
مدي اهتمام روسيا بالسودان كجزء من استراتيجيتها في إفريقيا، خاصة مع تركيزها على توسيع نفوذها في القارة عبر مبادرات سياسية واقتصادية وأمنية.
نجاح هذه الاستراتيجية يعتمد على تحقيق نتائج ملموسة، مثل تحسين البنية التحتية، رفع مستوى التعاون في الطاقة والتعدين، وتعزيز القدرات العسكرية.
ثم التحديات الاقتصادية منها ضعف الاقتصاد السوداني الذي قد يحد من استغلال الفرص المتاحة في التعاون مع روسيا، خاصة إذا لم يتم دعم القطاعات الإنتاجية وتعويض ماتم نهبه من المصانع خلال فترة الحرب
إذا تم تجاوز هذه التحديات من خلال رؤية واضحة وشراكة متوازنة، يمكن للاستراتيجية السودانية-الروسية أن تحقق نجاحًا يخدم مصلحة الطرفين.
اما من ناحية المنظور استراتيجي تعتبر العلاقات الروسية السودانية جزءاً من استراتيجية روسيا الأوسع لتعزيز نفوذها في إفريقيا، مستفيدةً من موقع السودان الجيوسياسي وثرواته الطبيعية. تتسم هذه العلاقة بمزيج من المصالح الاقتصادية، العسكرية، والجيوسياسية، والتي تساهم في تحقيق أهداف الطرفين في إطار التوازنات الإقليمية والدولية.
حيث يتمتع السودان بموقع جغرافي حيوي يربط بين إفريقيا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى إطلالته على البحر الأحمر، مما يجعله هدفاً مهماً لروسيا لتعزيز وجودها البحري ومواجهة النفوذ الغربي في المنطقة.
تسعى روسيا من خلال استراتيجتها إلى تقليص هيمنة الولايات المتحدة وحلفائها على إفريقيا، واستخدام السودان كمنصة لتعزيز نفوذها الإقليمي.
السودان غني بالذهب، النفط، والمعادن الأخرى، وهو ما يمثل فرصة استثمارية كبيرة لروسيا. شركات مثل «فاغنر» الروسية استفادت من هذه الثروات، خصوصاً في مجال التعدين.
التعاون في مجالات الطاقة وبناء الموانئ والمرافق يعد أداة لتعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية.
التعاون العسكري الذي نشط خلال الحرب الحالية وسارعنافي مقال ان نسارع الخطي نحو روسيا لحوجتنا الماسه في تلك الفترة للسلاح، لكن من خلال الاستراتيجية يمكن التوسع في التدريب العسكري وتبادل الخبرات، حيث ترى روسيا السودان شريكاً استراتيجياً في تطوير وجودها العسكري في إفريقيا.
يمثل مشروع القاعدة الروسية على البحر الأحمر بعداً استراتيجياً مهماً، يمنح موسكو نقطة ارتكاز جديدة في الممرات البحرية الدولية.
ولكن هناك تحديات أمام هذه الاستراتيجية وهي التغيرات السياسية في المستمرة في النظام السياسي بالسودان قد تؤثر على استمرارية التحالف مع روسيا.
والضغوط الدولية التي تواجه روسيا والسودان انتقادات وعقوبات غربية، مما يجعل التعاون بينهما محاطاً بتحديات دولية.
يمكن لنا ان نعمل علي تعزيز الاستقلال السوداني و أن تستفيد الخرطوم من علاقتها مع روسيا لتحقيق استقلالية أكبر عن القوى الغربية خاصه بعد الحرب حيث القراءة الصحيحه لمصالحنا وقد تطرقنا علي ذلك في
عدد من المقالات بان علينا الاستفادة من اخطاء الماضي
والعمل الجاد علي تفعيل وتطوير الشراكات في مجالات الزراعة، التكنولوجيا، والصناعة يمكن أن تساهم مساهمه كبير بالنهوض بالتنمية السودانية.
الاستراتيجية الروسية-السودانية تعكس التقاء المصالح في عدة مجالات، لكن استدامتها تعتمد على التوازن بين المكاسب الاقتصادية والجيوسياسية، واستجابة الطرفين للتحديات الداخلية والخارجية.
شارك المقال