المملكة في خدمة ضيوف الرحمن… حتى المكيف الشخصي

60
نجيب يماني

نجيب عصام يماني

كاتب صحفي سعودي

• في كل عام، تتجه أنظار العالم الإسلامي إلى أطهر بقاع الأرض، حيث تحتشد قلوب الملايين قبل أجسادهم لأداء شعائر الحج، الركن الخامس من أركان الإسلام، في أجواء مفعمة بالإيمان والخشوع. ومع هذا التدفق الروحي والمادي الهائل، تتجلى المملكة العربية السعودية في أبهى صورها، كأنها جسد واحد يعمل بكل مكوناته لخدمة وفود الرحمن، وتجسيداً لشرف عظيم اختصها الله به دون غيرها من البلدان.

لقد أصبحت المملكة نموذجاً عالمياً فريداً في تنظيم الحشود، وإدارة التجمعات البشرية الكبرى، وتحقيق أعلى مستويات الراحة والسلامة والكرامة لضيوف الرحمن، عبر منظومة متكاملة من التخطيط والجاهزية والبذل السخي الذي لا يعرف التراجع ولا التردد. فالحج بالنسبة للمملكة ليس مجرد موسم عابر، بل هو مشروع حضاري متكامل، تتداخل فيه الرؤية الإيمانية العميقة، مع أحدث ما وصلت إليه العقول البشرية من تطور تكنولوجي وتقني.

ولم تدخر المملكة جهداً في استثمار أحدث ما أنتجته التقنية الحديثة في سبيل راحة الحجاج. من البنية التحتية العملاقة في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، إلى وسائل النقل الحديثة كالقطار السريع، مروراً بمراكز الرعاية الصحية الموزعة بعناية على مسار الحجيج، ووصولاً إلى الابتكارات الذكية التي تدل على أن العناية بالحاج أصبحت تتجاوز الحاضر إلى المستقبل.

من بين هذه الابتكارات التي تمثل ذروة العناية والدقة، يبرز «المكيف الشخصي»، الذي أعلنت عنه السلطات المعنية ضمن التجهيزات الحديثة لهذا الموسم المبارك. وهو جهاز فريد من نوعه، أشبه بسماعات الأذن، يوضع على العنق أو الرأس، ليقوم بترطيب الجزء العلوي من الجسم وتخفيف حرارة الأجواء، مما يخفف من أثر أشعة الشمس القاسية، ويساعد الحاج على أداء مناسكه براحة أكبر وأقل مشقة. هذه التقنية تعكس مدى استشعار المملكة لاحتياجات الحجاج، خصوصاً كبار السن وأصحاب الحالات الصحية الخاصة، وتُظهر كيف أن الرعاية لم تعد فقط في الكليات، بل امتدت إلى أدق التفاصيل.

 إدخال «المكيف الشخصي» في منظومة الحج هو خطوة ذكية وغير مسبوقة، تبعث برسالة قوية، مفادها أن المملكة لا تتعامل مع الحج كمناسبة سنوية مؤقتة، بل كمشروع خدمة دينية وإنسانية وتكنولوجية مستمرة، ترتقي كل عام بمعاييرها، وتطمح دوماً للأفضل. فكما أن بناء الجسور وتوسعة الحرمين كانا عنواناً للمرحلة الماضية، فإن الابتكار الذكي والعناية التفصيلية هي عنوان المرحلة المقبلة.

ولا تقتصر الجهود على الجانب المادي أو التقني فقط، بل تمتد لتشمل الجوانب التوعوية والتنظيمية، حيث تسخّر وزارة الحج والعمرة، وهيئات الأمن، والدفاع المدني، والهلال الأحمر، وكافة الجهات ذات الصلة، إمكاناتها البشرية والفنية لضمان موسم حج آمن ومنظم وخالٍ – قدر الإمكان – من الحوادث والاختناقات. ويقف خلف كل هذا جهاز إداري وتشغيلي محكم، يدار بمنظور الدولة الحديثة، التي تستلهم من رسالتها الدينية أفقاً حضارياً لا يعرف المستحيل.

وفي ظل هذه الجهود المباركة، يبقى الحج في المملكة تجربة فريدة، تجمع بين عبق الإيمان، ونضج الإدارة، وروعة التقنية. ويظل الحاج محل العناية والاهتمام، كأنه سفير كريم جاء تلبية لنداء إبراهيم، فيستحق من الدولة المضيفة كل شرف واحتفاء.

هنيئاً للمملكة هذا الشرف العظيم، وهنيئاً للحجاج هذه الرعاية التي تمزج بين الروح والراحة، بين الإيمان والإتقان، وبين الماضي العريق والمستقبل المشرق.

فكما قال القائل:

«من دخل مكة حاجاً، فقد دخل في ضيافة الرحمن، وإن المملكة لخادمة لضيوفه على مر الزمان».

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *