المليشيا على حافة الهاوية… انهيار البنية قبل سقوط الميدان

41
لؤي إسماعيل مجذوب 2

لؤي إسماعيل مجذوب

ضابط سابق - باحث في شؤون الأمن الوطني والحرب النفسية

• في الحروب الكبرى، ليست المعركة هي التي تصنع المصير وحدها، بل البنية الداخلية للقوة المتحاربة. فإذا تشققت القاعدة، وسقطت المرجعية، وتحوّل الولاء من المركز إلى الهوامش، فإن الهزيمة تصبح قدرًا محتومًا، ولو امتلكت القوة آلاف البنادق. هذا هو المشهد الذي يتكشف اليوم في مليشيا الدعم السريع: تفكك داخلي، انقسام قبلي، انهيار معنوي، وفضائح سياسية وإعلامية تجعلها أقرب إلى كيان يتداعى ذاتيًا أكثر من كونه قوة تقاتل خصمًا خارجيًا.

السافنا.. الطعنة التي كسرت احتكار الولاء

إعلان السافنا انشقاقه لم يكن موقفًا فرديًا، بل نقضًا للعقد القبلي الذي قامت عليه المليشيا. دعوته للمحاميد بالعودة إلى موسى هلال أعادت الصراع إلى نقطة البدء: من يملك شرعية الزعامة القبلية؟ 

هنا تكمن الخطورة، فحين ينتقل الولاء من القيادة المركزية إلى الزعامة التقليدية، فإن المؤسسة تنهار من داخلها مهما بدت قوية في الخارج.

تمرّد القبيلة.. أخطر من تمرّد الدولة

حين حملت المليشيا السلاح ضد الدولة، كان ذلك صراعًا يمكن احتواؤه بالجيش، بالسياسة، أو بالتفاوض. لكن حين تبدأ القبيلة نفسها بالتمرّد على المليشيا، فإن المعركة تتحول إلى تفكك اجتماعي يعصف بكل الأسس التي ارتكزت عليها. الاشتباكات بين السلامات والبني هلبة، بين الرزيقات والمعاليا، وبين المحاميد وآل دقلو، ليست حوادث عابرة؛ إنها إعادة صياغة لموازين القوة في دارفور، وإعلان أن المليشيا فقدت غطاءها الاجتماعي الذي طالما وفّر لها المقاتلين والسلاح

الضعين.. مدينة تحت قانون الغاب

الضعين اليوم مرآة واضحة للانهيار النفسي. القتل، النهب، الاعتقال، الإهانة… كلها مظاهر يومية خلقت حالة رفض صامت ضد المليشيا. 

في علم الحرب النفسية، البيئة التي تُحكم بالقهر تتحول مع الوقت إلى بيئة ناقمة، تنتظر لحظة الانفجار. هنا لا تعود القوة العسكرية ضمانًا للبقاء، بل عبئًا يسرّع من انهيارها، لأن الهيبة حين تسقط بين الناس لا يعيدها السلاح.

ياجوج.. سقوط الهيبة في مشهد واحد

لم يكن مشهد إذلال ياجوج مجرد حادثة قبلية؛ لقد كان رمزًا لانكسار الهيبة. المليشيا التي بنت صورتها على الخوف والقوة المطلقة، رأت أحد قادتها يُصفع علنًا، ويُجبر والده على الاعتذار، قبل أن يُصفى على يد أبناء قبيلة منافسة. مثل هذه الحوادث في الحروب النفسية تعادل هزيمة كاملة، لأنها تزرع في وعي المقاتلين أن قادتهم ليسوا محصّنين ولا فوق الإهانة.

حكومة التأسيس.. سقوط الوهم

محاولة الإعلان عن «حكومة تأسيس» لم تمنح المليشيا شرعية سياسية، بل فضحتها أمام الجميع. الصور المركبة، الأيادي الناقصة، والوجوه الجامدة التي بثها الذكاء الاصطناعي، ثم تزامنها مع قصف الطيران لنيالا… كل ذلك حوّل ما أرادوه مناسبة للهيبة إلى فضيحة معنوية. في معركة الوعي، خسروا صورتهم، وخسارتها أخطر من خسارة موقع في الميدان.

القراءة العملياتية

ميدانيًا: الانشقاقات القبلية تُضعف خطوط الإمداد وتربك القيادة.

عملياتيًا: انشغال المليشيا بصراعاتها الداخلية يشتت جهودها ويستنزف قوتها.

نفسيًا: انهيار صورة «القوة الموحدة» وتحولها إلى «قبائل متناحرة».

استراتيجيًا: طول أمد الصراع يصب في مصلحة الجيش، الذي يراهن على استنزاف داخلي ينتهي بتفكك كامل.

الخاتمة: النهاية تقترب من الداخل

ما يجري الآن ليس تصدعًا مؤقتًا، بل مرحلة انهيار بنيوي. انشقاق السافنا، صراع القبائل، فضيحة حكومة التأسيس، إذلال ياجوج، والانفلات في الضعين… كلها حلقات في سلسلة واحدة، تشير إلى حقيقة واحدة: أن المليشيا تفقد أساس بقائها. قد تصمد في بعض المواقع عسكريًا، لكن سقفها ينهار فوق رأسها، ولن يطول الأمر حتى تنطفئ تمامًا.

إنها النهاية التي تُصنع من الداخل… قبل أن يحسمها الخارج.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *