• والمردوف في الثقافة البدوية هو الشخص الذي يركب في الخلف، خلف الدابة، سواء كانت حصاناً، أو حماراً، أو جملاً أو غيره.
فالدابة يمكنها أن تحمل شخصين أو أكثر، أحدهما يسمى قائد (سواق)، والآخر يسمى (مردوف) أو مردوفين إذا كان أكثر من واحد.
والرسن هو الحبل الذي تقاد به الدابة، وغالباً ما يكون مربوطاً في رقبتها بطرفه الأول، وطرفه الثاني يكون في يد الذي يقود الدابة يحركها به كيف يشاء، أما الشخص الذي يركب في الخلف فلا يمكن أن يمسك الرسن أو يقود الدابة.
والمردوف إما أن يكون قاصراً، وإما أنه لا يعرف يقود الدابة، أو مهاراته في القيادة ضعيفة، أو أنه لا يملك الدابة، أو من الذين استحسن فيهم صاحب الدابة لتوصيلهم كنوع من فضل الظهر (ومن كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له).
ولتقريب الفهم للجيل الجديد وللحضريين، ممكن نعيد صياغة المثل (الذي يركب في المقعد الخلفي للعربة أو الموتر لا يمكنه مسك الدركسون أو قيادة الموتر أو العربة)، فالذي يقود هو الذي في المقعد الأمامي قرب الدركسون، وهو صاحب القرار يوجه العربة أو الموتر كيف يشاء، يزيد السرعة هنا، ينقصها هناك، يلف بهذا الشارع، يدوس على الفرامل هنا، يقف ليستريح، وهكذا، أما بقية الركاب (المردوفين) فما عليهم إلا الاستمتاع بالرحلة دون اتخاذ قرار.
هذا التعبير تعبير مجازي، أو مثل يضرب للذي أو الذين لا يملكون قرارهم، فإذا أسقطناه على الواقع السياسي السوداني، كم من الأحزاب السياسية السودانية لا تملك قرارها، ورضيت بدور المردوف في المعادلة السياسية؟
كم من أعضاء الحزب الذين يرهنون قرارهم لرئيس الحزب، أو مجموعة صغيرة متنفذة ومتحكمة يوجهون الحزب كيف يشاؤون، ويرضون بدور المردوف؟
كم من الأحزاب رهنت نفسها للخارج، ورضيت بدور المردوف للخارج، فلا تملك قرار نفسها، فقط تنفذ ما يقال لها بحرفية، لدرجة يمكن أن تحرج نفسها مع المجتمع البسيط؟
وبالمقابل كم من الوطنيين الذين يمسكون الرسن ويقودون بحكمة وأناة وصبر، وقدرة على إنتاج الحلول من الداخل، من قراءة حصيفة لواقعنا وموقعنا، دون الوقوع في شرك العمالة والارتهان للخارج؟
كم من الذين يقدمون مصالح الوطن العليا على المصالح الحزبية والشخصية الضيقة؟
كم من الأحزاب من يمتلك رؤية واضحة وبرنامجاً مفصلاً لتطوير الدولة السودانية؟
كم منا استطاع أن يتجاوز إطاره الحزبي أو القبلي أو الجهوي إلى رحاب الوطن الكبير والإنسانية؟
كم منا من لا يحمل في قلبه ذرة من العنصرية والأحكام المسبقة تجاه الآخر الذي يشترك معه في المواطنة في هذا البلد؟
في تقديري تقدم هذا السودان يعتمد على زيادة نسبة الذين يمسكون الرسن، على المنقادين بطريقة عمياء، فلا بدّ لنا من امتلاك عقلية نقدية، فإذا زادت نسبة المردوفين على الخمسين في المئة فعلى الدنيا السلام، أما إذا زادت نسبة الذين يمسكون الرسن فطوبى لنا… والسلام.
شارك المقال