
حسن عبدالرضي الشيخ
كاتب صحفي
• في ظل الظروف السياسية والاقتصادية المعقدة التي يمر بها السودان، شهدت مصر، بوصفها الجارة الكبرى والمقصد الأول لغالبية السودانيين في المهجر، تزايداً ملحوظاً في أعداد المدارس السودانية الخاصة والجاليوية. ورغم أن هذه المدارس تؤدي دوراً حيوياً في استيعاب الطلاب الفارين من الحرب أو الباحثين عن تعليم مستقر، إلا أن واقعها لا يخلو من إشكالات قانونية وتنظيمية وتربوية، تتطلب معالجة جادة وتعاوناً بين الجهات الرسمية والمجتمع المدني.
أولاً: إشكالية التصاديق القانونية
تشكل مسألة التصاديق أبرز الإشكالات التي تواجه المدارس السودانية في مصر. إذ تعمل بعض المدارس دون الحصول على تراخيص رسمية من الجهات المصرية المعنية مثل وزارة التربية والتعليم أو وزارة التضامن الاجتماعي، مما يجعلها عرضة للإغلاق أو الملاحقة القانونية. ويعود ذلك في جزء منه إلى تعقيد الإجراءات، أو جهل بعض الإدارات بالقوانين المصرية، إضافة إلى غياب التنسيق المؤسسي بين السفارة السودانية والسلطات المصرية فيما يتعلق بتنظيم وضع هذه المدارس.
ثانياً: غياب الرقابة التربوية والفنية
في كثير من الحالات، لا تخضع هذه المدارس لإشراف تربوي منتظم من وزارة التربية والتعليم السودانية، ولا من الجهات المصرية، مما يؤدي إلى تفاوت كبير في مستوى جودة التعليم، وعدم الالتزام بالمناهج السودانية المعتمدة، أو سوء تطبيقها. كما أن بعض المدارس تعاني من نقص في الكوادر المؤهلة، واعتمادها على معلمين غير مدرَّبين، أو يعملون بدون عقود قانونية أو رواتب منتظمة.
ثالثاً: الدور الغائب أو المحدود للسفارة
السفارة السودانية في القاهرة، بحكم مسؤوليتها عن رعاية شؤون السودانيين، يُفترض أن تلعب دوراً أكثر فاعلية في تنظيم ومتابعة أوضاع المدارس السودانية. غير أن أداء السفارة في هذا الملف يُوصف بالضعف أو البطء، ويقتصر في الغالب على الجوانب البروتوكولية دون تدخل حاسم في ضبط المخالفات أو دعم المدارس الجادة.
إن غياب جهة مرجعية واضحة داخل السفارة تُعنى حصرياً بشؤون التعليم السوداني بالخارج، يترك المدارس في مهب الاجتهادات الفردية والتقديرات المزاجية لبعض الإدارات.
رابعاً: مشكلات الطلاب وأولياء الأمور
يعاني الطلاب السودانيون في هذه المدارس من مشكلات عديدة، أبرزها ضعف الاعتراف بشهاداتهم، وغياب الخدمات النفسية والتربوية، وارتفاع الرسوم الدراسية في ظل أوضاع اقتصادية متدهورة. كما يواجه أولياء الأمور معضلة حقيقية في اختيار المدرسة الأنسب، في ظل انعدام تصنيف رسمي أو تقارير موثوقة تعكس الأداء الفعلي للمدارس.
خامساً: الحلول المقترحة
١. التقنين والتصديق الرسمي:
ينبغي على جميع المدارس السودانية العمل على توفيق أوضاعها القانونية، بالحصول على تصاديق رسمية من الجهات المصرية المختصة، بالتنسيق مع السفارة، والالتزام الكامل بالقوانين المصرية المنظمة للعمل التربوي.
٢. إنشاء مكتب تعليمي بالسفارة:
يُقترح إنشاء «مكتب التعليم السوداني بالخارج» داخل السفارة السودانية بالقاهرة، يُعنى بتصديق الشهادات، ومتابعة المدارس، وتقييم أدائها، وتقديم الدعم الفني والإداري لها.
٣. وضع معايير موحدة:
يجب أن تلتزم المدارس بالمناهج السودانية الرسمية، وتخضع لتقويم دوري من لجنة تربوية مشتركة (سودانية – مصرية)، لضمان الجودة، ومعالجة الانحرافات أو التجاوزات.
٤. الاعتراف المتبادل وإشراف مزدوج:
يمكن التوصل إلى اتفاق بين وزارة التربية والتعليم في السودان ونظيرتها المصرية، لتنظيم المدارس السودانية بمصر تحت إشراف مشترك، يضمن حماية حقوق الطلاب وتطوير البيئة التعليمية.
٥. دعم الطلاب المحتاجين:
عبر آليات الشراكة مع منظمات المجتمع المدني، والبعثات التعليمية والمنح، يمكن توفير منح دراسية للطلاب السودانيين محدودي الدخل، لضمان حقهم في التعليم.
ختاماً
المدارس السودانية في مصر تمثّل ظاهرة حيوية فرضتها الضرورة، وتحمل في طياتها فرصاً لتجسيد التضامن السوداني، وتوفير بيئة تربوية بديلة في الخارج. لكن نجاح هذه التجربة مرهون بإرادة جماعية لتقنين الوضع، وتحسين الأداء، ووضع مصلحة التلميذ فوق كل اعتبار، بعيداً عن المصالح الضيقة أو الاستغلال العشوائي. والسفارة السودانية، بحكم تمثيلها للدولة والمجتمع، مدعوة اليوم قبل الغد، لتصحيح المسار، وقيادة الإصلاح، وتقديم نموذج يُحتذى به في رعاية التعليم في المهجر.
شارك المقال