اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب

119
محمد معتصم

محمد معتصم عبدالعظيم

مستشار قانوني وباحث في مجال حقوق الإنسان

• سعى المهتمون بحقوق الإنسان الأفريقي سعياً حثيثاً من أجل أن تنظم مسألة حقوق الإنسان في أفريقيا،  بميثاق يراعي خصوصية الأفارقة وعاداتهم وقيمهم، خاصة وأن أفريقيا كانت تعدّ من أكثر القارات التي تشهد انتهاكات لحقوق الإنسان في ظل الأنظمة العسكرية الحاكمة لمعظم الدول الأفريقية، وقد جُوبه ذلك السعي بمعارضة وتلكؤ من قبل الأنظمة الحاكمة، ولكن استمرت الجهود من قبل المناصرين والمفكرين الأفارقة بالضغط على الحكومات، إلى أن كللت تلك الجهود بتوقيع الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب في العام 1981م، والذي تبنته الدورة ال18 لاجتماع قمة منظمة الوحدة الأفريقية في نيروبي في يونيو 1981م.

 ويركز الميثاق على  حماية حقوق الإنسان الأفريقي التي حواها من خلال مواده، إضافة إلى تعزيز هذه الحماية على مستوى القارة الأفريقية، وقد تضمن الميثاق آلية تُعنى في المقام الأول (بمراقبة تطبيق الميثاق في الدول الأطراف)، وهذه الآلية هي «اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب»، والتي مطلوب منها- طبقاً للمهام المنوطة بها بموجب الميثاق- حماية وتعزيز حقوق الإنسان الأفريقي، ونشر ثقافة احترام حقوق الإنسان، فضلاً عن تفسير الميثاق الأفريقي، إضافة إلى عدة مهام وردت في الميثاق. إلا أن هذه اللجنة لم تبلغ وتصل إلى ما وصلت إليه اللجان القارية النظيرة، وتبرز آلية فاعلة في حماية حقوق الإنسان الأفريقي رغم مضي ما يقارب الخمسة عقود على تكوينها.

ما زالت الشعوب الأفريقية تعاني من الانتهاكات المستمرة لحقوقها من قبل الأنظمة الحاكمة، على الرغم من مضي أكثر من أربعة عقود على تكوين اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان كتحدٍّ للأجهزة المنوط بها حماية حقوق الإنسان الأفريقي، حيث كان من المنتظر أن تلعب اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب دوراً كبيراً في ترقية وتعزيز وحماية حقوق الإنسان الأفريقي، وحلحلة القضايا الأفريقية؛ خاصة لما تشهده أفريقيا من انتهاك صريح وكبير جداً لحقوق الإنسان، الأمر الذي يؤدي إلى بروز سؤال رئيسي، يتمثل في: هل لعبت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب الدور المنوط بها في ترقية حقوق الإنسان الأفريقي وتعزيزها؟ 

اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب تُعرف اختصاراً بـ ACHPR وهو جهاز شبه قضائي، مُكلَّف بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحقوق الفردية في جميع أنحاء القارة الأفريقية، فضلاً عن تفسير الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والنظر في الشكاوى الفردية المتعلقة بانتهاكات الميثاق.

جاءت اللجنة إلى حيز الوجود في 21 تشرين الأول/أكتوبر 1986 بعدما تم الاتفاق عليها في الميثاق الأفريقي (الذي اعتمدته منظمة الوحدة الأفريقية في 27 حزيران/يونيو 1981)، وعلى الرغم من أن السلطة وقعت من تلقاء نفسها على المعاهدة والميثاق الأفريقي، إلا أنها تتبع للجمعية العامة التي تُصدر تقارير حول وضعية رؤساء الدول والحكومات في الاتحاد الأفريقي (سابقاً منظمة الوحدة الأفريقية).

أول الأعضاء الذين تم انتخابهم من قبل منظمة الوحدة الأفريقية كان عددهم 23 وكانوا مُنخرطين في جمعية رؤساء الدول والحكومات قبل تاريخ حزيران/يونيو 1987، وقد تم تثبيت اللجنة رسمياً لأول مرة في 2 تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه. وقد استندت اللجنة في أول سنتين من وجودها على الأمانة العامة لمنظمة الوحدة الأفريقية في أديس أبابا، إثيوبيا. ولكن في تشرين الثاني/نوفمبر 1989 تم نقلها إلى بانجول في غامبيا.

تجتمع اللجنة مرتين في السنة: عادة ما يكون اجتماعها الأول في آذار/مارس أو نيسان/أبريل، ثم الثاني في تشرين الأول/أكتوبر أو تشرين الثاني/نوفمبر، ويُعقد الاجتماع الأول في بانجول حيث توجد هناك أمانة اللجنة؛ أما الثاني فيُعقد في مدينة أخرى، شريطة أن تكون تابعة لدولة أفريقية.

تتكون اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب من أحد عشر عضواً، يُنتخبون عن طريق الاقتراع السري في منظمة الوحدة الأفريقية لرؤساء الدول والحكومات (تم تعديل مكان الاقتراع لاحقاً إلى جمعية الاتحاد الأفريقي). هؤلاء الأعضاء يخدمون لمدة ست سنوات قابلة للتجديد، أما اختيارهم فيتم على حسب الشخصيات الأعلى سمعة، والمعروفة بحسها الأخلاقي العالي ونزاهتها، والتزامها الكامل بالحياد والكفاءة في المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان والشعوب، (حسب الميثاق الأفريقي المادة 31)، كما يتم تمييز «الأشخاص ذوي الخبرة القانونية» عند الاقتراع، وعادة ما يكونون أوفر حظاً للظفر بالمنصب.

يتمتع أعضاء اللجنة بالاستقلال التام في أداء مهامهم، ولا يعملون على أساس شخصي (أي لا يمثلون أوطانهم)، ومع ذلك فهناك من ينحاز لوطنه ويعمل لصالحه بدل خدمة الشأن العام.

يتم اختيار الأعضاء الستة؛ ثم من بين الستة يتم اختيار رئيس ونائب للرئيس يعملان سنتين قابلتين للتجديد.

تعمل اللجنة في ثلاثة مجالات واسعة، وهي:

تعزيز حقوق الإنسان والشعوب. 

حماية حقوق الإنسان والشعوب. 

تفسير الميثاق الأفريقي بشأن حقوق الإنسان والشعوب. 

وفي سعيها لتحقيق هذه الأهداف، كُلفت اللجنة «بجمع الوثائق وإجراء الدراسات والبحوث حول المشكلات الأفريقية في مجال حقوق الإنسان والشعوب، ثم تنظيم الحلقات الدراسية والندوات والمؤتمرات، ونشر المعلومات، وتشجيع المؤسسات الوطنية والمحلية المعنية بحقوق الإنسان والشعوب، بإعطاء ملاحظات أو آراء أو توصيات إلى الحكومات»          (حسب نفس الميثاق في مادته 45).

مع إنشاء المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب (بموجب بروتوكول الميثاق الذي اعتمد عليه في عام 1998، ودخل حيز النفاذ في كانون الثاني/يناير 2004) تمت إضافة مهمة جديدة للجنة، وهي إعداد ملفات خرق حقوق الإنسان وتقديمها للمحكمة المختصة. في تموز/يوليو 2004، خرج الاتحاد الأفريقي بقرار مفاده ضرورة عمل اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب وتنسيق قوانينها مع محكمة العدل الأفريقية.

في عام 2011، قدمت اللجنة تقريراً للمحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، بشأن ما حصل للشعب الليبي في عهد الرئيس الراحل معمر القذافي.

اختصاصات اللجنة الأفريقية

إن اختصاصات اللجنة في غاية الاتساع والغموض، فهي آلية لتعزيز حقوق الإنسان من جهة، وحمايتها من جهة أخرى، كما أنها مطالبة بتفسير نصوص الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، كما أن اللجنة تقوم بنوعين من المهام كما جاءت في نص المادة (45) من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وهما: مهام للترقية وأخرى للحماية:

1/ مجال الترقية

 تقوم اللجنة بالآتي:

أ/ تنظيم الدورات والندوات والملتقيات.

ب/ المشاركة في الندوات والدورات الدراسية.

ج/ تفسير أحكام الميثاق الأفريقي.

د/ تقديم الاستشارة.

2/ مجال الحماية

 تقوم اللجنة بتلقي الشكاوى الدولية والفردية ونظرها.

مهام اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب

1/ تلقي ودراسة التقارير من الدول.

2/ الشكاوى المقدمة من الدول.

3/ الشكاوى المقدمة من الأفراد والمنظمات غير الحكومية.

عليه فإنه ومن خلال نشأة وتكوين اللجنة واختصاصاتها ومهامها، نجد بأن اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب تنقصها الإمكانات المادية والبشرية والتقنية، مما يؤدي ذلك إلى صعوبة عملها في ترقية وحماية حقوق الإنسان الأفريقي، وأيضاً اهتمت اللجنة بمهمة الترقية والتوعية بحقوق الإنسان والشعوب أكثر من اهتمامها بمهمة الحماية، ويظهر ذلك من خلال الصلاحيات الواسعة التي منحها الميثاق الأفريقي للجنة في مجال الترقية، عكس الحماية التي وضع الميثاق بشأنها مجموعة من القيود والشروط التي لا تخدمها.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *