الكنتين (الدكان) أرحم لنا

69
عزالدين باقوري جديد

عزالدين باقوري

كاتب صحفي

• إبان الثورة الفرنسية أو بعيدها نسب لماري أنطونيت- زوجة لويس الذي فى أيامه ثار الفلاحون لانعدام الخبز –

بعد استفسارها عن دواعي الثورة،  فأرسلت مقولتها التي خلدت، وهي 

(لماذا لا يأكلون البقلاوة). 

وأصبحت ترسل كلما لاح وحلّ في الناس الفقر والجوع. والحكام وسادة البذخ غير عابئين وآبهين، لطالما غمرهم تيه الترف.

ولعلنا هنا في أرض معركة الكرامة قد حل بنا ما استدعى استلهام وتذكر ما ذل عن شفتي بنت أنطونيت.

 إذ أحد المعلقين أتى بما يستفز، وهو أن تاجراً فخيماً افتتح مولاً في حي شعبي، فيه ما ينبئ عن أننا ما زلنا نعيش أيام الجمالية التي سبقت زمن الجلال الذي نعيشه، وما زلنا نخوض حرباً أفقرت أغلب الشعب الذي يبتاع من الكنتين (دكان صغير) ويده غير مبسوطة.

 والبعض كان يذهب متجولاً بعربة التسوق داخل المول  وكريمته بمعية زوجته ترتديان بنطالاً وبنطالاً.

 ولنا أن نتساءل : هل تركت الحرب ما يمكّن من شراء محتويات هذا المول؟

  هل غبن أفعال الجنجويد من اغتصاب وتشريد وتجريد من الممتلكات لم يوقظ الضمير؟

 هل ضميرك يسمح لك بأن ترجع للتنعم والتلذذ وجيرانك في الداني والقاصي رضوا بأن يأتوا يوم القيامة وليس في وجوههم مزعة لحم، وأراقوا ماء وجههم؟

     وجوه ابتليت بالبؤس، ووجوه تحضر وتجهز لشراء عقار البائس المنهوك. إنها وجوه مالك المول ووجوه الشراة المترفين، ولم تحرك فيهم مرارات الحرب ساكناً. حقاً الدين لا يزدهر في حياة الثراء. 

والمال يطغى،  وأهل المال من هذا الصنف طغاة المستقبل ونخاسون من صنف جديد، ربما هم يرومون حياة الإقطاع نبلاء وعبيد. وعزاء الشعب في المال الصالح الذي يوجه للإنفاق،  ويرغم أولئك الذين لا يسألون الناس إلحافاً. 

وفي هذه الأيام تجد إلصاق التخلف بحملة القيم، لطالما ينبهون السادرين في غيهم.

وليعلم القارئ أن حملة القيم هم حملة السلاح، وهم من لم يبارحوا ويقيموا الحفلات الساقطة في القاهرة وغيرها. وهم من آلت شحومهم إلى هياكل بسبب الحصار في المهندسين والمدرعات والكدرو وفي القرى التي حل بها الجنجا (الجراد البشري). 

نقول لمن يستثمر في المولات، نحن نطالب الدولة باستراتيجية اقتصاد حرب أنهكت البلد وأفقرته، وعليه يجب أن تكون استراتيجية تقشف تتضمن عملياتها تحريم المعلبات والأكل الجاهز، وترسلنا إلى زمان عظمة الشعيرية. ومن ثم الاقتصاد في طلب الدولار وقصره على استيراد الضروري والمُلح الاضطراري، وإذا لزم الأمر فاليصبح الكارو محل التكتك في ترحيل بعض السلع، حتى ننعم بتحجيم فاتورة استيراد الإسبير وصرف الوقود.

وليحل التكتك محل الحافلة في بعض الخطوط بدلاً عن الركشة، وما أجمل الكداري لما تجني منه صحة في البدن والذهن. بتعلم الصبر والمهلة التي ترجعنا إلى فهم معنى الحديث (من استعجل الغنى أورثه الله الفقر)، وكذلك (في العجلة الندامة). 

أما العجلة bycicle فهي مطلوبة، فأكثروا من استيرادها، وعدلوها لتساهم في نقل بعض البضائع، 

ونطالب بالتغاضي عن إدارة الوقت، والتعامي عن عبارة الوقت كالسيف. ومرحلياً علينا بمقولة (في التأني السلامة)، لنخلق جيلاً ماهلاً صابراً يجب جيل الجحود المستعجل. ولنا في الأفغان عبرة نستلهمها عند السقوط فكرت طالبان في النصر الآجل، فأدخلت الصبية الكهوف المزودة بقليل رفاهية، وكانت خلاوى القرآن تعد المجاهدين فخرجوا وذعر الأمريكان، وكانت طائراتهم حبال عنكبوت تعلق بها الخونة طلباً للنجاة، بسبب أن خريجي الكهوف الذين رضعوا من ثدي صبر الجبال الصامدة أغلقوا الطرقات.

وأيضاً لنا تجربة الخدمة الإلزامية والتفويج للجنوب والدفاع الشعبي. فالبقية منهم حفزت من هذا الجيل ما كان به باقي خير دفع به، وجزى الله القائل الأول لعبارة (فيهو بقية خير)، فصارت تقال لمن فقد فيه الأمل.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *