الفنّان إسماعيل الأزهري

68
اسماعيل الأزهري
Picture of بقلم : زين العابدين الحجّاز

بقلم : زين العابدين الحجّاز

• التقيت بالزعيم إسماعيل الأزهري وجها لوجه و لأول مرة عندما توفي الشهيد عوض إبراهيم عبدالرحمن في ثورة أكتوبر حيث خرجت الجنازة من منزله في الحارة الرابعة بمدينة الثورة و كنت من ضمن المشيعيين . في ذلك الموكب كان يمشي الى يساري الزعيم الأزهري مرتديا بدلة الدمور و منتعلا مركوب جلد البقر الى أن و صلنا مقابر البكري .

بعد الدفن سمعت هتافا وشاهدت مجموعة من المشيعيين وهم يحملون السيد محمد عثمان الميرغني على الأكتاف و لكنه زجرهم بشدّة و أمرهم بانزاله فورا فهو بطبيعته مثل والده لا يحب الأضواء كما عرفت لاحقا . المرّة الثانية قابلته في حوش عائلتنا بحي البوستة أوائل الستينات عندما حضر للعزاء في وفاة جدنا و القطب الإتحادي محمد طيب الأسماء أبشر . المرّة الثالثة التقيت بالزعيم الأزهري في المسرح القومي بأ درمان عندما حضر الاحتفال بالعيد الأول لثورة أكتوبر . قدمت العديد من الأناشيد في ذلك الحفل وكثلاثي قام الفنان صالح سعد والطالب أحمد أبو علامة والطالب الذى يمثله شخصى الضعيف من مدرسة أم درمان الأهلية الثانوية باداء نشيد « فجر اكتوبر»  بمصاحبة فرقة موسيقى القوات المسلحة بقيادة الموسيقار محمد إسماعيل بادي «زقل». النشيد من كلمات الشاعر محمد عبد القادر كرف أستاذنا فى مادة اللغة العربية وتلحين عمر الفاروق محمد خير الكاتب والمحاسب فى مدرسة أم درمان الأهلية الثانوية فى ذاك الزمان .

فتحت الستارة وبدأنا النشيد و في تلك اللحظات شاهدت الزعيم الأزهري يجلس أمامي مباشرة في الصف الأول مع الحاضرين و يرمقني بنظرات ثاقبة فركزت مع تلك النظرات للحظات لدرجة أن الكلمات الأولى للنشيد قد ضاعت مني و «بقيت ساكت افتح و أقفل في خشمي في الهواء « وحمدت الله لوجود الثنائي معي . المرّة الرابعة قابلت الزعيم الأزهري في عام 67 عندما حضر لافتتاح مكتب الإدارة لجامعة أم درمان الاسلامية الواقع في شارع الموردة أمام سينما أم درمان .

كان في ذلك الوقت رئيسا لمجلس السيادة و قد طلب بالاسم حضور الفرقة الموسيقية لمدرسة أم درمان الأهلية الثانوية لعزف السلام الجمهوري عند استقباله حسب البروتوكول و كنت من ضمن عازفي الفرقة . حضر الرئيس يصحبه ابنه الطفل محمد الأزهري لابسا بدلة ضابط جيش برتبة عقيد وكذلك يصحبه ياوره الخاص النقيب شرطة فاروق المفتي . بعد أن عزفنا السلام الجمهوري قصّ الشريط و دخل الى المكاتب و بعد ربع ساعة خرج وصافح فرقتنا فردا فردا مما رفع من معنوياتنا عاليا ثم غادر بعدها . المرة الأخيرة قابلته عندما جاء الى مبنى وزارة التربية والتعليم لحضور حفل تكريم وفد الطالبات الكويتيات أثناء زيارتهم للبلاد .

شاركت في ذلك الحفل بطلب من الرئيس الأزهري الفرقة الموسيقية لمدرسة الخرطوم الثانوية ممثلة في الطلاب الفاتح عروة و هاشم حمدالنيل ضيف الله و محمد حمو و السموأل و مجدي أبو الريش الى جانب الفرقة الموسيقية لمدرسة أم درمان الأهلية الثانوية ممثلة في محمد الفاضل شداد وعبدالحميد محمد أحمد و محمد الخير و الطيب مصطفى و شخصي الهزيل . عرفت لاحقا أن ابنه المرحوم محمد الأزهري قد التحق بفرقة موسيقى مدرسة الموتمر الثانوية عازفا بارعا على آلة الأورقن . بمناسبة فن الموسيقى أورد  سكرتير مكتب الأزهري عبدالرحمن أحمد المهدي في  مؤلفه (حكايات عن الزعيم الأزهري) أن رائد الصحافة الأستاذ بشير محمد سعيد في كتابه ( الزعيم الأزهري و عصره) قد ذكر أن إسماعيل الأزهري عندما كان مدرّسا بكلية غردون التذكارية كان مسؤولا عن جمعية الموسيقى و كان يجلس وقتا غير قصير يستمع الى أعضائها يعزفون على العود و الكمان و يوجههم ويصغي الى ألحانهم بكل مشاعره في نشوة و طرب مكتوم ينم عنه بريق عينيه و ابتسامته . لم يعرف الأستاذ بشير بأنه  كان عازفا ولكن أحد زملاء شبابه حدثه بأن الأزهري كان في ذلك الزمان يقتني آلة موسيقية . سامية ابنة الأزهري في مرجع آخر ذكرت بأنهم منذ الصغر كانت هناك آلة بيانو في منزلهم .

في عام 68 السيدة أم كلثوم سيدة الغناء العربي زارت السودان  و قدّمت حفلا على المسرح القومي حضره الرئيس الأزهري . حرص على الاستماع اليها عندما كانت تغني وكان يتابعها بكل مشاعره في نشوة واضحة . سافر الأزهري الى مقديشو عاصمة الصومال مع وفد للمشاركة في مناسبة قومية و كانت قد سبقتهم فرقة فنية سودانية من ضمنها الفنان صلاح ابن البادية . قدّمت الفرقة  عرضا في حفل على المسرح حضره الرئيس الأزهري والرئيس الصومالي شارماركي حيث جذب ابن البادية الحاضرين بصوته الجميل و صفقوا له كثيرا عندما غنّا أغنية « سال من شعرها الذهب «و خصوصا عندما مدّ صوته طويلا في « فنن لا و لا فنن» .

بعد العودة من الصومال تحدّث الأزهري مع وزير الإعلام عبدالماجد أبو حسبو مبديا اعجابه بصوت صلاح ابن البادية العذب و نفسه الطويل و مخارجه الجميلة للحروف واقترح عليه امكانية ارساله  للخارج لدراسة الفن الأوبرالي لأن خصائص صوته تناسب فن الأوبرا . قال له أبو حسبو مداعبا : « لم نكن نعلم أنك فنان يا سيادة الر ئيس « فردّ عليه الرئيس : « أنا و لو أنني لم أمارس الغناء و لم أشارك « الشياليين « لكنني أتمتع بأذن موسيقية تفرّق بين الأصوات الجميلة و غير الجميلة . الطريف هنا أن الرئيس عنما ذكر الشياليين أراد أن يرد على أبوحسبو بنفس روح الدعابة فقد قيل أن أبو حسبو في شبابه كان قد اشترك ضمن الكورس المصاحب لأحد فناني الحقيبة في ذلك الزمان .

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *