البراء بشير

البراء بشير

كاتب صحفي

• كما هو معلوم فالشعر ديوان العرب، يستعملونه في شتى نواحي حياتهم من توثيق الأخبار، إلى شد الأكوار ووصف الأمصار. فهو يحوي الفرح والترح، ويصفُ حالة الغبطة وحالة الأسى، كما يصف غيرهما. وقد أخذت الغربة حيزها من الشعر العربي، وتغنى شوقي بالغربة في قصيدة طالما استوقفتني براعتها ورقة كلماتها. 

وكُتِبت هذه القصيدة في أيام غربته القسرية عن بلده، حين رأى الوفود تتوافد عليها وهو مَقصِيٌّ عنها. ولي بضعة أبياتٍ متواضعة نظمتها على نهج أبيات هذه القصيدة، ولكنها لا تعدُّ معارضة لها بأي شكل من الأشكال، وكذلك ليست على  البحر نفسه، وإن كانت تماثلها في القافية. 

وفي جلسة مسامرة مع الدكتور أحمد علي الأمين والدكتور مجاهد أحمد علي، وهما أديبان ألمعيان، علمت من الدكتور مجاهد أن ثمة رابطاً بين قصيدة شوقي هذه وسينية موسيقار اللغة (البحتري)، التي كتبها بعد مقتل المتوكل ورثاء البحتري له، فقد ضيق عليه المنتصر بن المتوكل، الذي كانت له يدٌ في قتل أبيه، لذلك توجه البحتري إلى (المدائن) عاصمة الفرس، وكتب هذه القصيدة يسلي بها نفسه. 

وقد وصف فيها القصر الأبيض وإيوان كسرى، وهي قاعة الملك ورمز سلطانه، وعلى جدرانها رسمت أحداث معركة أنطاكية بين الفرس والروم.

بعض أبيات البحتري: 

حَضَرَت رَحلِيَ الهُمومُ فَوَجَّهتُ ** إِلى أَبيَضَ المَدائِنِ عَنسي

أَتَسَلّى عَنِ الحُظوظِ وَآسى ** لِمَحَلٍّ مِن آلِ ساسانَ دَرسِ

أَذكَرتِنيهُمُ الخُطوبُ التَوالي ** وَلَقَد تُذكِرُ الخُطوبُ وَتُنسي

وَهُمُ خافِضونَ في ظِلِّ عالٍ ** مُشرِفٍ يَحسِرُ العُيونَ وَيُخسي

مُغلَقٍ بابُهُ عَلى جَبَلِ القَبقِ ** إِلى دارَتَي خِلاطَ وَمُكسِ

حِلَلٌ لَم تَكٌ كَأَطلالِ سُعدى ** في قِفارٍ مِنَ البَسابِسِ مُلسِ

بعض أبيات شوقي: 

اِختِلافُ النَهارِ وَاللَيلِ يُنسي ** اُذكُرا لِيَ الصِبا وَأَيّامَ أُنسي

وَصِفا لي مُلاوَةً مِن شَبابٍ ** صُوِّرَت مِن تَصَوُّراتٍ وَمَسِّ

عَصَفَت كالصَّبَا اللَعوبِ وَمَرَّت ** سِنَةً حُلوَةً وَلَذَّةُ خَلسِ

وَسَلا مِصرَ هَل سَلا القَلبُ عَنها ** أَو أَسا جُرحَهُ الزَمانَ المُؤَسّي

يا اِبنَةَ اليَمِّ ما أَبوكِ بَخيلٌ ** ما لَهُ مولَعاً بِمَنعٍ وَحَبسِ

أَحرامٌ عَلى بَلابِلِهِ الدَوحُ ** حَلالٌ لِلطَيرِ مِن كُلِّ جِنسِ

أبياتي:

بين شوقي ويأسي ** تلوحُ أصنافُ بأسِ

غربةٌ عجفاءُ ** لمُرِّها مُتَحسِّي 

وندامةٌ وشجونٌ ** لكل سهلٍ تُقَسِّي 

حَسِبتُ شوقي يُنادي ** يا لشدة نَحسي

لذاكَ طرحَ سؤالاً ** فحواهُ تُبقِي وتُنسِي

أيحلُ للطيرِ دوحٌ ** من كل نوعٍ وجنسِ 

وتحرمُ بلابلهُ ** من رطبهِ والخلسِ؟!

فأجبتهُ بِبَيانٍ ** لأنني مُتأَسِي

بِدربهِ في الحزنِ ** وندمهِ والبؤسِ

لا شكَ أن الطيرَ ** كحارسٍ ذي عسِ

قد طافَ في الديجورِ ** وباتَ منذ الأمسِ 

أو جاءهُ في الفجرِ ** يغدو كصاحبِ مَكْسِ 

والبلبلُ التعيسُ ** أيْقظهُ ضوءُ الشمسِ

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *