العنف المنزلي.. جريمة صامتة تفتك بالأسر! كيف نكسر حاجز الصمت وننقذ الضحايا؟

525
د. عصام صالح

• في زوايا البيوت المغلقة، خلف ستار «الخصوصية العائلية» و»العار الاجتماعي»، تُرتكب كل يوم جرائم صامتة تُزهق فيها الكرامة، وتُكسَر فيها الأجساد، وتُقتَل فيها الأرواح نفسيًا قبل أن تموت جسديًا. العنف المنزلي ليس مجرد شجار عابر أو خلافًا زوجيًا عاديًا، بل هو وباء مجتمعي يدمر كيان الأسرة — تلك الخلية التي يُفترض أن تكون الملاذ الآمن للإنسان.

تتعدد أشكاله: من الضرب المبرح الذي يترك كدماتٍ على الجسد، إلى الإهانة اليومية التي تحفر جروحًا أعمق في النفس، مرورًا بالعنف الاقتصادي الذي يحوّل المنزل إلى سجن مالي، والإهمال الذي يجعل من «الحب» كلمة فارغة. والأمر الأكثر إيلامًا أن الضحايا — سواءً نساءً، أطفالًا، رجالًا، أو كبار السن — غالبًا ما يُجبرون على الصمت، إما خوفًا من الفضيحة، أو بسبب الوصمة الاجتماعية، أو حتى لاعتقادهم أن هذه «سُنة الحياة»!

لكن كسر هذه الدائرة ممكن. فمن خلال التوعية بخطورة الظاهرة، تفعيل القوانين الرادعة، وتوفير الدعم النفسي والقانوني للضحايا، يمكن تحويل البيوت من ساحات معارك إلى فضاءات آمنة. لأن العنف — بكل أشكاله — ليس «حقاً» لأحد، بل هو انتهاك صارخ للإنسانية نفسها.

 فالعنف المنزلي هو أحد أشكال العنف الأكثر انتشارًا في المجتمعات، ولذا فإن التعرف عليه ومكافحته يتطلب وعيًا شاملًا بأشكاله وآثاره وأسبابه وطرق الوقاية والعلاج.

أولًا: أنواع العنف المنزلي

1. العنف الجسدي

هو أشهر أنواع العنف وأكثرها وضوحًا، ويتضمن الضرب، الدفع، الحرق، أو التهديد باستخدام أدوات حادة. تظهر آثاره عادة على الجسم، وقد تؤدي إلى عاهات مستديمة أو حتى الموت.

2. العنف النفسي والعاطفي

يأخذ هذا النوع شكل إهانة مستمرة، تقليل من الشأن، إشعار بالذنب، أو تلاعب عاطفي. تأثيره عميق على المدى الطويل، ويؤدي إلى القلق والاكتئاب وفقدان الثقة بالنفس.

3. العنف الجنسي

يتضمن أي سلوك جنسي يُفرض على الطرف الآخر دون رضاه، بما في ذلك الاغتصاب الزوجي، اللمس غير المرغوب فيه، أو الابتزاز الجنسي.

4. العنف الاقتصادي

يحدث عندما يُمنع أحد أفراد الأسرة من التصرف بأمواله، أو يُجبر على التبعية المالية. مثال: منع الزوجة من العمل أو مصادرة دخلها.

5. الإهمال

خصوصًا مع الأطفال أو كبار السن، حيث لا يُقدم لهم الطعام الكافي، أو الرعاية الصحية أو العاطفية الضرورية.

ثانيًا: جذور وأسباب العنف المنزلي

– الخلفية الثقافية والاجتماعية

بعض الثقافات تبرر ضرب الزوجة أو السيطرة عليها، مما يُطبع العنف كجزء من العادات.

– تعاطي المخدرات والكحول

تشير الدراسات إلى أن حالات العنف المنزلي ترتفع بشكل ملحوظ في البيوت التي يوجد بها مدمن.

– الضغوط الاقتصادية

الضغوط المعيشية قد تفجر توترًا يتحول إلى عنف داخل المنزل، خصوصًا عند غياب طرق صحية للتعامل مع المشكلات.

– تاريخ شخصي من العنف

الأشخاص الذين نشأوا في بيئات عنيفة هم أكثر عرضة لإعادة إنتاج نفس السلوك.

ثالثًا: أمثلة واقعية

زوجة تتعرض للضرب بشكل يومي من زوجها، لكنها تخشى طلب المساعدة بسبب الأطفال.

طفل يعاني من تأخر دراسي ونفسي بسبب مشاهدته المستمرة لخلافات والديه العنيفة.

مسن يتعرض للإهمال والحرمان من الأدوية على يد أبنائه.

رجل يتعرض للابتزاز العاطفي من زوجته التي تهدده بحرمانه من رؤية أطفاله.

رابعًا: الآثار النفسية والجسدية والاجتماعية

– نفسية:

قلق مزمن، اكتئاب، أفكار انتحارية، اضطراب ما بعد الصدمة.

– جسدية:

إصابات ظاهرة، أمراض مزمنة نتيجة الضغط المستمر، ضعف المناعة.

– اجتماعية:

عزلة، تدنٍ في العلاقات الأسرية، صعوبة في تكوين علاقات صحية مستقبلًا.

– اقتصادية:

فقدان الوظيفة، الاعتماد على الطرف المعتدي، ضعف الإنتاجية.

خامسًا: أثر العنف على الأطفال

الأطفال شهود العنف غالبًا ما يعانون من التبول اللاإرادي، اضطرابات النوم، العدوانية، أو الانطواء.

تأثر الأداء الدراسي والنفسي للطفل بشكل مباشر.

احتمالية تكرار نفس السلوك في مستقبلهم الأسري.

سادسًا: العنف المنزلي ضد الرجال

قد يتعرض الرجال للعنف الجسدي أو النفسي من زوجاتهم، ويصعب عليهم البوح بذلك خوفًا من السخرية أو عدم التصديق.

هناك نقص في مؤسسات دعم الرجال المعنَّفين مقارنة بالنساء.

سابعًا: التدخلات المجتمعية والمؤسساتية

دور الجمعيات الحقوقية والنسوية في تقديم الدعم.

تفعيل دور الإعلام في نشر الوعي.

تطوير المناهج الدراسية لتعليم الأطفال عن العلاقات الصحية.

ثامنًا: القوانين والتشريعات

أهمية سن وتطبيق قوانين واضحة تجرم العنف المنزلي.

ضرورة توفير آليات لحماية الضحية دون تحميلها العبء.

تاسعًا: مراكز الإيواء والدعم النفسي

ضرورة إنشاء وتوسيع مراكز آمنة للضحايا.

توفير دعم نفسي وتأهيل اجتماعي ومهني.

عاشرًا: العلاج وإعادة التأهيل

برامج موجهة للجناة لتعليمهم السيطرة على الغضب.

إعادة تأهيلهم سلوكيًا لتجنب التكرار.

الحادي عشر: دور الدين في مكافحة العنف

جميع الأديان تحث على الرحمة والعدل في العلاقات الأسرية.

توعية دينية حقيقية قد تردع المعتدين وتواسي الضحايا.

الثاني عشر: التكنولوجيا في مكافحة العنف

تطبيقات للتبليغ السري عن حالات العنف.

استخدام وسائل التواصل للتوعية وتبادل الخبرات والدعم.

الخاتمة

العنف المنزلي ليس قضية فردية، بل مشكلة مجتمعية تتطلب تضافر الجهود. التوعية، القوانين، والدعم هي أدوات فعالة في كسر دائرة العنف. لا بد من العمل الجماعي لبناء أسر آمنة ومستقرة، لأن سلامة الأسرة تعني سلامة المجتمع كله.

 

شارك الموضوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *