العنصرية.. أكثر الأمراض فتكاً بالمجتمعات

31
pic000

عانى منها الأفراد والشعوب

Picture of إعداد: أمل عبد العزيز سعد

إعداد: أمل عبد العزيز سعد


• العنصرية هي الأفكار والمُعتقدات والقناعات والتَّصرفات التي ترفع من قيمة مجموعة معينة أو فئة معينة على حساب الفئات الأخرى، بناءً على أمور مورّثة مرتبطة بقدرات الناس أو طباعهم أو عاداتهم، وتعتمد في بعض الأحيان على لون البشرة، أو الثقافة، أو مكان السّكن، أو العادات، أو اللغة، أو المعتقدات. وهي أحد أكثر أشكال التمييز والظلم انتشارًا في العالم، وتخلق هذه الآفة انقسامات عميقة في المجتمعات، وتُهدد قيم العدالة والمساواة التي تُعتبر أساساً لأي حضارة إنسانية متقدمة. وعلى الرغم من التقدم الكبير في مكافحتها، لا تزال العنصرية تُمارس بشكل صريح أو خفي في العديد من المجتمعات، مما يتطلب وعيًا أكبر ومواجهة حازمة من الأفراد والمؤسسات. في هذا المقال، سنستعرض جذور العنصرية، آثارها المدمرة، وسبل مقاومتها لبناء عالم أكثر إنصافًا وتقبُّلاً للاختلاف.

بداية الظاهرة

بدأت العنصرية مع بداية نشأة الخلق، وهي تعدُّ من أهم أسباب الفتنة على مرِّ العصور المختلفة، ومن أكثر الأمراض فتكاً بالمجتمعات، وهي شكل من أشكال التعصُّب البشري، وصورة من صور الظلم والتناقض، وقد استندت عند نشأتها على أسس عدة، منها لون البشرة، أو اللغة، أو العادات، أو المعتقدات، أو الثقافات، أو الطبقة الاجتماعية.

معاناة أمم وشعوب 

عانت العديد من الأمم والشعوب من التمييز العنصري، ومعاملة الناس لهم بتفرقة وظلم وتصنيفهم اعتماداً على انتماءاتهم أو عرقهم، ورافق ذلك التعامل والتمييز إهانة وإذلال، ساهما في تأسيس جوٍّ عدائي داخل تلك المجتمعات، والتي عادة ما تظهر وكأنّها مجتمعات متحضرة وراقية، في حين أنها في حقيقتها خاوية؛ فالعنصرية والتمييز والتفرقة كثيراً ما تكون مرتبطة بالجهل والمرض، وبعيدة كل البعد عن الإنسانية والدين.

أمثلة على التمييز العنصري: 

• قرارات التوظيف القائمة على أساس عرقي. 

• عدم الحصول على ترقية بسبب العرق.

•   الاختلافات في الأجور على أساس العرق.

• فصل الموظفين بناء على عرقهم.

• السلوك العدائي والعنيف. 

أسس العنصرية

 ترتكز العنصرية على أسس، يمكن استعراضها كالتالي:

– لون البشرة.

– القومية.

– اللغة.

موقف الإسلام من العنصرية

إن العصبية والعنصرية من صفات أهل الجاهلية التي نهى عنها الإسلام وحاربها، وهي في وقتنا الحاضر تلازم الشعوب المتخلفة، والدول الممزَّقة. وهي انعكاس لتشوُّهات التربية العقيمة، ومظهر من مظاهر الأمراض الاجتماعية، التي تنذر بالعواقب الوخيمة، والنتائج الخطيرة على تماسك المجتمع ووحدته، وفي تجاهل أسبابها ومسبباتها، أو التساهل مع متعاطيها محفز لانزلاق المجتمع نحو التناحر فيما بينه، وبالتالي يصبح مجتمعاً ممزقاً يسهل افتراسه.

فالناس جميعاً سواسية أمام الشريعة، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: «لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى»، ولا تمايز بين الأفراد في تطبيق الشريعة والقوانين عليهم، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».

العنصرية لا تبني ألأوطان 

من العنصرية أن تعتقد ولو للحظة بأنَّ الطين الذي خُلقت منه أعلى قدراً من الطين الذي خُلق منه الآخرون! فالعنصرية تتوقف حينما يتم التصدي لها، ويجب تعليم الأبناءكم المحبة والتسامح، إذ إن العنصرية والكراهية لا تبني أوطاناً فكلكم لآدم وآدم من تراب، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم.

والقرآن الكريم واضح وضوحاً لا لبس فيه بأن الناس سواسية لا فرق بينهم، قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

سلوكيات متنوعة

تشمل مُعتقَدات العنصرية معاملة الأفراد معاملة ذات مستوى مُتدنٍّ مقارنة بغيرهم، أو حرمانهم من حقوقهم الأساسية؛ نتيجة التحيُّزات تجاههم؛ تبعاً للون البشرة، أو الدين، أو العِرق، أو اللُّغة، أو التوجُّه السياسي، أو الحالة الصحّية؛ كما هو الحال بالنسبة إلى ذوي الإعاقة.

ولا يتضمن التمييز العنصري سلوكيات عنيفة دائماً، بل قد تشمل المزاح، والتسميات والألقاب العرقية، واستبعاد شخص أو حرمانه من أحد حقوقه بناءً على الأصل أو العرق، وعدم قبول بعض الأشخاص في الوظائف نظراً لأنهم ينتمون إلى عائلة أو أصل معيَّن.

ومما لا ريب فيه أنَّ العصبية القبلية تؤدي إلى الشقاق والخلاف بين الناس، كما أن التعصب القبلي يولِّد البغضاء بين أبناء الوطن الواحد، ويزرع الإحن بين أبناء الأمة، ويؤدي إلى الوقوع في الحقد والغل والكراهية والتحاسد والتدابر والتباغض، ومن نتائجها: السخرية والغرور والهجاء والظلم وانتقاص إنسانية الإنسان.

أضرار العنصرية وسلبياتها

إن ممارسة العنصرية ينتج عنها تخلف النمو الاقتصادي، والتدهور البيئي، والتصنيف العرقي، وضعف الهياكل الأساسية الاجتماعية على نحو ما يبينه عدم المساواة في الحصول على الرعاية الصحية، والتعليم، والعدالة الاجتماعية.

كما أن العنصرية لا تضر من يعانونها وحسب بل المجتمع كاملاً. فهي تعمِّق الشكوك، وتلقي بظلال الريبة على كافة الجوانب، وتمزِّق نسيج المجتمع. والعنصرية وكراهية الأجانب مثلهما في ذلك مثل جائحة كورونا، فكلاهما عدوى قاتلة. 

لا للعنصرية

أعزنا الله تعالى بالإسلام، فأخرجنا به من الظلمات إلى النور، ومن الجور إلى العدل، ومن المعتقدات الفاسدة إلى العقيدة الصحيحة، ومن الأخلاق الرذيلة إلى الأخلاق الحسنة الكريمة؛ فقد كانت الأمم متناثرة، والقبائل متناحرة، والمجتمعات متشرذمة؛ وجاء الإسلام بشريعته العظيمة، ومبادئه السمحة وقيمه الإنسانية، فغرس في الناس وشيجة الدين وآصرة الإيمان؛ لتكون هي الرابطة التي تجتمع عليها الأمة ويميز به بين أفرادها ويسمو بعضهم فوق بعض بالتقوى فقط.

وعلى رغم أن التمييز العنصري يستند في كثير من الأحوال إلى فروق جسمانية بين المجموعات المختلفة، ولكن قد يتم التمييز عنصرياً ضد أي شخص على أُسس إثنية أو ثقافية، دون أن يكون لديه صفات جسمانية. كما قد تتخذ العنصرية شكلاً أكثر تعقيداً من خلال العنصرية الخفية، التي تظهر بصورة غير واعية لدى الأشخاص الذين يُعلنون التزامهم بقيم التسامح والمساواة.

العنصرية والقبلية 

تشترك القبلية في جوهرها مع العنصرية في جوهرها؛ فكلاهما أيديولوجية تستغل الاختلافات المُتصوَّرة لتبرير عدم المساواة في المعاملة والحفاظ على هياكل السلطة. فبينما تُفرِّق العنصرية غالباً على أساس لون البشرة، كذلك تُفرِّق القبلية على أساس الخطوط العرقية، أو اللهجات، أو الانتماءات العشائرية.

الإسلام يصون كرامة الإنسان

 لم يكتفٍ الإسلام بالحديث عن المساواة والأخوة الجامعة، بل وضع القوانين والتشريعات التي تصون الكرامة الإنسانية، وتحفظ حقوق الضعفاء، فأوجب الزكاة رعاية لحق الفقراء والمساكين وأصحاب الحاجات، ووصى باليتيم حتى لا يشعر بالحرمان والجور، وأكرم منزلة المرأة ورفع شأنها وردَّ كرامتها، وفتح الباب أمام تحرير العبيد والترغيب فيه، وجعل كفارات كثيرة منطلقاً لعتق العبيد.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *