
د. ندى صلاح بيومي
محامية ومستشارة قانونية
• إكمالاً لما بدأه زميلي الأستاذ هشام فرنيب الأسبوع الماضي عن العدالة الانتقالية، فإنني أواصل ما بدأه في سبيل الوصول إلى وطن معافى بعد الحرب.
رغم حداثة مصطلح العدالة الانتقالية، إلا أنها متجذرة في القانون الدولي الإنساني. ويقع على عاتق الدول والمجتعات التي تحاول إعادة بناء نفسها من جديد والانتقال من تاريخ عنيف يتسم بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ارتكبت في سياق ممارسة القمع، أو في سياق نزاع مسلح، أو غير ذلك من السياقات الأخرى، الالتزام بتوفير سبل إنصاف لضحايا.
انتهاكات حقوق الإنسان وتلبية حقوقهم
ومن أجل الوفاء بهذه الالتزام، يجب الاعتراف بهذه الانتهاكات، ومنع تكرارها، وتلبية مطالب العدالة، واستعادة نسيج المجتمعات المحلية الاجتماعية، وبناء سلام مستدام، فالعدالة الانتقالية هي النظام الذي يسعى إلى بذل كل ما يلزم، كي تنجح المجتمعات في التعامل مع مثل هذه الموروثات الصعبة، وتطوير أدوات مختلفة من أجل تحقيق هذه الغاية.
تهدف العدالة الانتقالية، إلى الاعتراف بضحايا تجاوزات الماضي على أنهم أصحاب حقوق، وتعزيز الثقة بين الأفراد في المجتمع الواحد، وثقة الأفراد بمؤسسات الدولة، وتدعيم احترام حقوق الإنسان، وتعزيز سيادة القانون. وكي تكون العدالة الانتقالية قادرة على المساهمة بفعالية في السلام والمصالحة المستدامين، لا بدَّ من اتباع الآليات القضائية وغير القضائية، وإحراز تقدم على مستوى جميع أبعاد العدالة وبطريقة متكاملة، وتشمل محاكمات الأفراد، وتقصي الحقائق، والإصلاح الدستوري والقانوني والمؤسسي، وتقوية المجتمع المدني، وتجليد الذكرى وفحص السجل الشخصي للكشف عن التجاوزات.
ولتوطيد أركان السلام على نحو طويل الأجل، لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان السكان على ثقة من إمكان كشف المظالم عن طريق الهياكل الشرعية، لتسوية النزاعات بالوسائل السلمية، وإقامة العدل بشكل منصف.
وتختلف المفاهيم والتعريفات بمصطلح العدالة الانتقالية، إلا أنه يمكن القول بأنها آلية يراد بها قيام دولة القانون، وإحقاق العدالة، بالقضاء على انتهاكات حقوق الإنسان، والتجاوزات المرتكبة من القائمين على الحكم أو النظام في حق أفراد المجتمع الواحد، بحيث تشهد البلاد حالة من التعسف والتسلط في نظام حكمها. وعرفها تقرير الأمين العام السابق للأمم المتحدة (كوفي أنان) المقدم إلى مجلس الأمن (سيادة القانون والعدالة الانتقالية في مجتمعات الصراع ومجتمعات ما بعد الصراع). وعرفها المركز الدولي للعدالة الانتقالية، الذي أنشئ في عام 2001م ومقره نيويورك، بأنها (السعي من أجل العدالة الشاملة أثناء مدد الانتقال السياسي).
آليات تحقيق العدالة الانتقالية
ينطوي تحقيق العدالة الانتقالية على حزمة من الآليات والتدابير اللازمة، لمواجهة إرث انتهاكات حقوق الإنسان، التي خلفتها الحقبة الزمنية الماضية، فما هي الآليات لإزالة هذه المرارات والانتهاكات التي لازمت المبدأ السامي لحق الإنسان في الأمن والسلم المجتمعي، فهي الآليات القضائية وغير القضائية.
آليات غير قضائية
لجان تقصي الحقائق:- بدأت لجان تقصي الحقائق تزداد عدداً وانتشاراً، حيث شكلت على المستوى الدولي في الآونة الأخيرة العديد من هذه اللجان عن طريق الأمم المتحدة، للتعامل مع الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي.
وعرفت أيضا بأنها كيانات مؤسسية مستقلة غير قضائية، تختص بالبحث عن حقيقة الانتهاكات، وتحدد واجباتها وصلاحياتها بموجب قرار أو لائحة بقرار رئاسي، أو تشريع وطني، لاتخاذ الإجراءات اللازمة لكشف الحقائق، وتوفير أدلة موثقة بشأن الانتهاكات. وينبغي الاعتراف بارتكاب الأفعال والانتهاكات غير الإنسانية، وتختم عملها بتقديم تقرير نهائي، يضم استنتاجاتها وتوصياتها، وتركز في عملها على المعايير الإنسانية.
المهمات الجوهرية للجان تقصي الحقائق
أ/ مهمة مادية واقعية: حيث تبحث في الخلفية التاريخية لأسباب العنف والانتهاكات، وتحدد هوية مرتكبيها.
ب/ مهمة علاجية: الحفاظ على توافق المجتمع واستقراره، وتنمية الشعور بالشفافية والثقة في السلطة السياسية، كونها تهتم بإظهار الحقيقة لطوائف الشعب.
ج/ مهمة إصلاحية: تتجسد في إصدار توصيات بشأن التعامل مع فساد أو انتهاكات فترة الماضي.
د/ اتخاذ قرارات تتعلق بطريقة عملها: المعايير التي تعتمدها لكشف الحقيقة، وبما يشمل تقدير حجم خسائر الضحايا وتقرير التعويض عنها، وكذلك تقرير كيفية إعادة تأهيل الضحايا، أو قرارات إدماج الجناة في المجمتع.
الأهداف الأساسية لعمل لجان الحقيقة
1- الرغبة في عدم طمس الماضي، وهو أساس الحاضر والمستقبل، ولا بدَّ من توحيدوتوثيق الذكرى، ولا بدَّ من معرفة تفاصيل ما حدث.
2- الرغبة في معرفة الحقبقة كاملة بكل عناصرها، والسؤال: هل يمكن معرفة كل شيء ؟ هل بإمكاننا إدراك ما حصل بتقادم السنين؟ وربما يرغب في هذا بعض صناع القرار، مثلما يذهب البعض ممن أرادوا النسيان.
3- تشجيع محاسبة المذنبين من تجميع الأدلة والمحافظة عليها، وتحديدها بشكل علني للأشخاص المسئولين عن الجرائم.
4- التوصية ببرامج مفصلة لتعويض
الضحايا، والإصلاحات القانونية والمؤسسية الضرورية.
5- توفير قاعدة إعلامية للضحايا والإصلاحات القانونية والمؤسسية الضرورية.
6- الاعتراف بالمسئولية وتحقيق ما يصبو إليه الضحايا، وتحقيق المصالحة والتوصل إلى نبذ روح الانتقام.
شارك المقال