العادات بين التمرد والتطور… كيف نفهم إرثنا بلا شيطنة ولا عنف؟

35
عوض الكريم فضل المولى

عوض الكريم فضل المولى

كاتب صحفي

• في زمنٍ صار فيه أي نقاش حول العادات والتقاليد مهدداً بتهمة العنصرية أو الجهل أو تخلف صاحب المقال، وأحياناً يتأفف المستلبون ثقافياً والمتمردون عليه، هنالك جيل كامل لم يعايش هذه العادات والتقاليد السودانية، يعتبرها نوعاً من القصص الخيالية أو الأسطورية. ولكنها واقع عشنا بعضه، ونُقل إلينا بعضه من أسلافنا (جدودنا وحبوباتنا وأمهاتنا وآبائنا). 

وفي هذا الزمان أصبح من الصعب استيعاب القصد الحقيقي وراء تناول إرثنا الاجتماعي. وكثير من القضايا التي ترتبط بتاريخنا وثقافتنا السودانية تُطرح بحدة، وكأنها معركة بين التمسك بالماضي كما يحلو أن يصفه البعض (التخلف)، أو التمرد عليه، أو إنكاره، دون أن نمنح أنفسنا فرصة التفكير في معانيها الأخلاقية والسلوكية العميقة والمتجذرة فينا، وهي كثيرة. 

ولكنني أثرت هذه الجزئية ولعلها تكون فاتحة لكثير من عادات وتقاليد انقرضت شكلاً، ولكننا الآن نفقد القيمة الأخلاقية المصاحبة لها. 

أحد الأمثلة اللافتة ما يُحكى عن الرحط، وهو لباس قديم للمرأة السودانية. كانت المرأة ترتديه وهي تقوم بأعمالها اليومية مثل الطحن على «المحراكة»، حيث يغطي قطعة جلد بسيطة منطقتي العفة دون الصدر، بينما تجلس وسط أهلها وأبناء عمومتها يتسامرون دون أن يُنظر للأمر بشهوانية أو سلوك شائن. هذه القصة تكشف أن المعايير الأخلاقية كانت تقوم على قيم داخلية منضبطة، لا على المظهر الخارجي وحده.

لكن، بدلاً من النظر إلى هذه الممارسات كجزء من إرث أخلاقي وسلوكي يمكن تطويره، غالباً ما نميل اليوم إلى شيطنتها، وكأن تاريخ أجدادنا كان خطيئةً جماعية. وهنا تكمن الإشكالية: هل نرفض ماضينا بعنف وصدام، أم نتعامل معه بوعي نقدي هادئ يجعلنا نحتفظ بجوهره القيمي، مع تطوير ما يحتاج إلى التغيير؟

إن التغيير السلس والمسالم هو الخيار الأجدى، لأنه يفتح الباب أمام تجديد العادات دون إلغاء هويتها أو تجريمها. أما التغيير العنيف، فهو لا يترك سوى وصمة عار على تاريخنا المشترك، ويزرع قطيعة بين الأجيال. والسؤال الذي ينبغي أن نطرحه اليوم هو:

هل نستطيع أن نطور قيمنا وتقاليدنا بما يتسق مع الحداثة، دون أن نفقد احترامنا لجذورنا؟

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *