الطيور المهاجرة تربط عالمنا: اتفاقية الطيور المائية المهاجرة 

332
pic000
Picture of إعداد: م. معتصم تاج السر

إعداد: م. معتصم تاج السر

عضو مؤسس لحركة السودان الأخضر

كلمة الإعداد: «الوعد والمُنى»

• وفق رؤية حركة السودان الأخضر للتغيير الإيجابي الإنسـيابي الإبداعي الأخضر، فإن حماية الطيور المائية المهاجرة ليست ترفاً بيئياً بل التزاماً أخلاقياً وعلمياً وجمالياً، يحمل في جوهره وعداً بوطنٍ يحترم التوازن الطبيعي، ومنىً بوطنٍ ينهض على وعيٍ جديد يضع البيئة في قلب التخطيط والتنمية.

فكل طائر يعبر سماء السودان هو رسول للسلام البيئي وشاهد على دور هذا الوطن في منظومة الحياة العالمية. 

والوعد أن يظل السودان موئلاً آمناً لكل الأنواع التي تقطع الأميال وتحلّ بأرضه، والمنـى أن نتكاتف – مؤسسات وأفراداً – لنرسم مستقبلاً أخضر، ترفرف فيه الأجنحة لا بالأمان وحده، بل بالأمل أيضاً.

ونحن في حركة السودان الأخضر، نؤمن إيماناً راسخاً بضرورة دعم الالتزامات بكل الاتفاقيات الدولية والإقليمية المعنية بحماية الحياة البرية والطبيعة، والسير بخطى ثابتة نحو بناء سودانٍ معافى، يصون تنوعه الحيوي، ويحتفي بثرواته الطبيعية كأمانةٍ للأجيال القادمة.


بقلم: الفريق شرطة / محمد السراج فضل الله

المدير الاسبق للدائرة الفنية بالادارة العامة لحماية الحياة البرية. 

 

 اتفاقية الطيور المائية المهاجرة

كثير من الأنواع تعيش ضمن نظام بيئي يمتد مخترقًا الحدود الوطنية لأكثر من دولة، وتواجه سياسات وأطراً قانونية وسلوكيات مجتمعية تختلف من بلد لآخر، الأمر الذي يجعل جهود دولةٍ ما في صون التنوع الحيوي وبيئاته الطبيعية تُجهَض برياح سوء إدارة البلد/البلدان الأخرى.

 لقد استشعر العلماء والخبراء أهمية وقيمة الحفاظ على الأنواع المهاجرة لما تمثله من أدوار بيئية واقتصادية وصحية وجمالية ونفسية، لذا نبعت فكرة إبرام اتفاقية لصون الأنواع المهاجرة، وعُرفت آنذاك باتفاقية الأنواع المهاجرة أو اتفاقية بون (Convention of Migratory Species).

وقد نصّت الاتفاقية على التزام الأطراف بحماية الأنواع المهاجرة أثناء موسم هجرتها، وصون موائلها الطبيعية.

لاحقاً، بدا واضحاً أن هناك حاجة ماسة لإبرام اتفاقية منفصلة لصون الطيور المائية المهاجرة، وذلك لعدة أسباب، منها:

أن الطيور المائية المهاجرة، خلافاً للأنواع الأخرى، تقطع آلاف الأميال، عابرةً لعدد كبير من الأقطار، بل القارات، وتمرّ مساراتها بكثير من المحيطات والأنهار والبحار.

أن كثيراً من الدول لم توقّع على اتفاقية الأنواع المهاجرة لأنها لا تشهد هجرة لأنواع عبر حدودها مع جيرانها، كما أنها لا تمثل محطات ذات بعد زمني مؤثر على الطيور المائية المهاجرة.

أن الطيور المائية المهاجرة لا تجني فائدة من تدابير إنشاء محميات طبيعية عابرة للحدود الوطنية، كما هو الحال بالنسبة للثدييات.

لذا، تم التوجه لإبرام اتفاقية خاصة لحماية الطيور المائية المهاجرة، والتي عُرفت آنذاك بالاتفاقية الأفرو-أوراسية لحماية الطيور المائية المهاجرة (AEWA)، وقد اعتمدتها عدة دول في أوروبا وأفريقيا وآسيا.

ثم تطورت الاتفاقية لاحقاً بانضمام عدد من الدول من خارج تلك القارات، واختُصر اسمها إلى «اتفاقية الطيور المائية المهاجرة» بذات المصطلح الإنجليزي (AEWA).

قيمة وأهمية الطيور المائية المهاجرة

1. لها أهمية عظمى في الحفاظ على التوازن البيئي.

2. لها دور في المكافحة البيولوجية من خلال القضاء على الآفات.

3. تمثل مصدراً للبروتين الحيواني لكثير من المجتمعات.

4. لها أهمية اقتصادية، إذ يتوافد إلى الدول المستضيفة لهذه الطيور العديد من هواة الصيد أو هواة وأندية المشاهدة والتصوير.

5. تمثل قيمة جمالية ونفسية وهي تسبح في فضاء الكون الواسع.

6. توفّر أجواء روحانية لبعض المتعبدين، وهم يتأملونها تسبح في محرابها الواسع.

7. تسهم في الأدوار الصحية، لا سيما في القضاء على مخلفات الحيوانات النافقة.

التزامات الأطراف الموقعة على الاتفاقية

1. حظر الصيد الجائر، مع الالتزام بحصة الصيد السنوية التي تُحدَّد بعد المسح الدوري، ومنع الصيد أثناء أشهر التحريم.

2. حماية الموائل الطبيعية، والملاذات، والأراضي الرطبة التي تعتبر مأوى للطيور وتضع فيها أعشاشها.

3. ترشيد استخدام المبيدات، ومنع صرف أي كيماويات في المسطحات المائية التي تؤمها الطيور.

4. حظر مدّ خطوط الكهرباء بأسلاك عارية، وكسوة القائم منها.

5. العمل على إجراء البحوث العلمية ذات الصلة، فرادى أو بالتعاون، لدراسة الطيور المائية المهاجرة وموائلها الطبيعية ومهدداتها، واقتراح الحلول.

6. تبادل المعلومات بين الدول الأعضاء بشأن حالة الطيور ومساراتها وموائلها.

7. رفع الوعي المجتمعي بأهمية هذه الطيور ومهدداتها، والحثّ على المشاركة في حمايتها.

8. دعم مؤسسات المجتمع المدني وأندية المشاهدة والتصوير المهتمة بالطيور.

9. تشجيع الأطراف على إعلان «مناطق طيور محمية» داخل كل دولة أو عبر أكثر من دولة.

جهود سكرتارية اتفاقية الطيور المائية المهاجرة

عكفت المنظمة على دعم الجهود الوطنية والعابرة للحدود المعنية بصون الطيور ومسارات طيرانها. كما عملت على دعم البحوث العلمية والتنسيق وتبادل المعلومات بين الدول الأعضاء.

وقد ساعدت المنظمة بعض الأطراف في كسوة أسلاك الكهرباء العارية، وتواصلت مع مؤسسات الكهرباء في بعض الدول، عبر نقاط الاتصال الوطنية (National Focal Points)، للاتفاق على تنفيذ هذه الإجراءات، والحد من نفوق الطيور بفعل معدات إنتاج الطاقة بالرياح.

كما تقوم المنظمة بالتجهيز لاجتماعات الأطراف الدورية، والتي تُعقد كل عامين في دولة يتم الاتفاق عليها، إضافة إلى الاجتماعات الطارئة.

السودان واتفاقية الطيور المائية المهاجرة

يُعتبر السودان من الدول الموقعة على الاتفاقية، ويلعب دورًا محورياً، حيث تمرّ عبره ثلاثة مسارات طيران مهمة:

1. المسار الشرقي: للطيور القادمة من شرق أوروبا عبر إيران، وتركيا، وسوريا، والعراق، وإسرائيل، والأردن، والسعودية، والتي تتجه نحو البحر الأحمر ومنه إلى شرق ووسط أفريقيا.

2. مسار نهر النيل: تسلكه الطيور القادمة من أقصى شمال أوروبا ووسطها نحو وسط وجنوب أفريقيا.

3. مسار نهر شاري: يعبر إلى المسطحات المائية في دارفور، ثم إلى غرب ووسط وجنوب أفريقيا، ويخدم الطيور القادمة من أقصى شمال وغرب أوروبا. ويُذكر أن السودان يُعد نهاية مسار الطيران لكثير من الطيور المائية المهاجرة، حيث تتكاثر فيه، وتبقى حتى نهاية الشتاء، ثم تعود إلى أوروبا مصحوبة بالجيل الجديد، مما يجعل له أهمية استراتيجية خاصة.

من طرائف الشراكة السودانية في المنظمة

من المعروف أن إسرائيل من أوائل الدول الموقعة على الاتفاقية، ولها جهود بحثية متقدمة في هذا المجال. 

ويعود ذلك إلى إدراكها لأهمية التوازن البيئي، وخطورة الإخلال به على صحة الإنسان ورفاهيته، وقد أنشأت مركزًا مؤهلاً بجامعة حيفا لمتابعة الطيور المهاجرة إلكترونيًا.

في إحدى السنوات، لاحظ مواطن سوداني وجود ختم على رجل صقر، فقام بقتله وسلّمه إلى جهاز الأمن، ونشرت الصحف عناوين مثيرة:«القبض على الجاسوس النسر الإسرائيلي!».

وذلك في محاولة رخيصة لزيادة مبيعات الصحف، رغم أن الدولة كانت ملزمة بحمايته – أقصد النسر – وما يحمله من أدوات علمية للرصد.

كنت آنذاك أمثل نقطة الاتصال الوطنية، فذهبت إلى مسؤول جهاز الأمن الذي أبدى تفهماً، وأوضح أنه لا يمكنه تجاهل بلاغات المواطنين، ثم سلّمني الختم، وقمت باستخراج الشريحة من تحت جلد الطائر، وأرسلتها للسكرتارية مع رسالة اعتذار عن ضعف وعي المواطن.  وفي الاجتماع التالي، لم تُوجّه اللوم للسودان على تصرف المواطن، بل على ضعف وعي الصحافيين.

في عام 2009، تبنّت المنظمة مسحاً لطائر الرُّقَاق الأبيض ذو المنقار العريض الذي كان مهدداً بالانقراض، خاصةً في دول شمال القوقاز، حيث يقتات على آفات تضرّ المحاصيل.

تم تزويد كل الدول الواقعة في مسار هجرته بأدوات تصوير مباشر من الحقول، وتم تكليف طلاب من كلية الموارد الطبيعية بجامعة سنار – أعضاء في الجمعية السودانية للحياة البرية – بالرصد والمسح.

وقد نجح الطلاب في رصده بمنطقة شرق سنار، وأُرسلت الصور إلى سكرتارية الاتفاقية، ثم دُعينا لحضور مؤتمر في كازاخستان، حيث شاركت شخصياً كنقطة اتصال وطنية، وشارك بروفيسور إبراهيم هاشم، رئيس جمعية الحياة البرية السودانية.

وقد كان تقرير السودان إيجابياً للغاية مقارنةً ببعض الدول مثل سوريا والعراق، حيث كانت الطيور تُصطاد بكثرة. 

أذكر أن اللقاءات التي أجراها الشباب مع المزارعين أثناء حصاد الذرة في نوفمبر، حملت إجابات طريفة؛ إذ قال أحدهم:

«دي طيرة ساكت»

وعمك كبير قال: والله إنتو خاتين شغلة ومشغلة!»

وقال آخر:

«والله انتو فقدتو المنطق!»

وأنا أرجو ألا أكون فقدت المنطق بهذه السياحة البيئية مع الطيور المائية المهاجرة.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *