
الناجي حسن صالح
رئيس التحرير
• من أجَلّ وأعظم وبالات الحرب على السودان، أنها أظهرت سوءاتنا جلية واضحة لا لبس فيها، فأخرجت العاهات والآفات من جحورهم، وحركت كمونهم ليبثوا العفونة والنطف في جسد الأمة.
قائمة طويلة من أصحاب المحتويات الرديئة والبائسة والغثة والفاجرة، ملأوا بها مسارات منصات التواصل، التي أصبحت بفعلهم غير اجتماعية بالكلية. بل أصبحت مسرحاً داعراً على الهواء الطلق.
وأخطر ما في ذلك، أنَّ غثاءهم أقرب إليك من حبل الوريد، فما أن تمسك بهاتفك أو أي شاشة إلكترونية، إلا وتجدهم يموجون ويستعرون كالنار في الهشيم. يغلقون عليك كلَّ صالح، ويسدُّون كلَّ سائغ ليبيعوا بضاعتهم الفاسدة والخليعة، بلا حياء أو خفارة.
السير البريطاني توماس جريشام، المستشار الملكي لملكة إنجلترا في القرن السادس عشر، والذي كان منوطاً به وضع أسس للعملة المحلية آنذاك، توصل لعبارته الشهيرة: (النقود الرخيصة تطرد النقود الغالية من التداول). والتي تحولت لقانون جريشام: (النقود الرديئة تطرد النقود الجيدة من التداول).
لكن يبدو، لو أنَّ السير جريشام كان بيننا هذا الزمان، لتحول عن الاقتصاد وطلَّقه طلاقاً بائناً، ليتفرغ لدراسة علم الاجتماع، وفحص العفاشة المنتشرين عندنا، وكيف أنهم زحزحوا العلماء والمفكرين والباحثين، وجعلوهم قابعين في حيز المرارة والحسرة على ما وصل إليه حال العلم والمعرفة. فآثروا الابتعاد وترك الساحة لهوانات وحقارات هذا الزمان. فما عاد العلم يؤتى، بل صارت النجاسة تدق أذنيك ليلاً ونهاراً.
ولعله سيكتشف أسرار ثقة هؤلاء الحثالة الزائدة ووهم المعرفة الذي تلبَّسوه.. فيوصف لنا ترياقاً نزيل به الغمة التي جسمت وتربعت على صدورنا. وإلا أدخلناهم عنوة أقرب مستشفى للأمراض النفسية فأرحنا الناس منهم وارتحنا.
حقاً إنه عصر التفاهة.. وزمن الغباوة، وعهد النزقين. إنَّ النظام السائد أدى إلى سيطرة التافهين على مواقع أساسية من الخريطة الاجتماعية. يكفي أن تنظر حولك، لترى هؤلاء النغلين وقد اخترقوا السياسة والإعلام والتعليم والفن، وكلَّ شاشة مضاءة.
لا فرق بينهم وبين المومسات لا في السمت ولا في الدخيلة، فاختلطت علينا الاستقامة من فرط الإفك، حتى بتنا نفحص نظرنا كل ثلاثة أشهر بدلاً من كل سنة، إمعاناً في رؤية مبصرة لا غبش فيها.
هناك عبث ممنهج في وسائل التواصل بأنواعها، جعلت البيوت عارية مكشوفة، وذهب الحياء من بعض النساء، وماتت الغيرة في بعض الرجال. هذه ليست مصادفة، وإنما أفعال مقصودة ومرتبة ومدفوعة الثمن، لتهدم على الناس دينهم، وتزخرف للضعاف دنياهم.
آن الأوان لوضع حدٍّ لهذه الفوضى الهدامة، باتخاذ القرارات الرادعة، لوقف هؤلاء الساقطين، من خلال التبليغ عنهم، وإغلاق صفحاتهم، كما ينبغي على الجهات الرسمية المختصة، أن تعمل على تكليف جهة ما بمراقبة هؤلاء ومتابعتهم، وفضح مشاريعهم ومخططاتهم، لبث الوعي لدى الناس، لتحصينهم من هذه الظواهر الخطيرة، التي تعمل بكلِّ جهد على تفتيت المجتمعات وانهيارها. وأن تعيد هذه الجهة الثقة لعلمائنا ومفكرينا، وتنزلهم منازلهم الحقة والرفيعة، ليهدوا الناس علماً نافعاً، سيج بأخلاقهم الرفيعة ونفوسهم الزكية الطاهرة.
قال العالم الفيزيائي ستيفن هوكينج: (أعظم عدو للمعرفة ليس الجهل وإنما وَهْمُ المعرفة).
فلعله كان يقصد متخلفينا الموهومين.
شارك المقال