الضغط السعودي ونهاية اللعبة الإماراتية

171
الناجي صالح

الناجي حسن صالح

رئيس التحرير

تشهد الحرب السودانية منعطفاً حاسماً بعد تحول سعودي غير مسبوق «وغير هادئ» في أسلوب التعاطي مع الأزمة، إذ انتقلت الرياض من دور الوسيط الحيادي إلى موقع الضغط الجيوسياسي المباشر. ويبرز طلب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التدخل لإنهاء الحرب كمحور استراتيجي يعيد تشكيل الدور السعودي في المنطقة.

أولاً: السياق المأزوم
الصراع السوداني لا يمكن اختزاله في أنه حرب بين «جنرالين» كما يُشاع، بل امتداد لصراع إقليمي بالوكالة. تواجه الإمارات اتهامات من خبراء أمميين وأعضاء كونغرس أمريكيين بتمويل قوات ميليشيا الدعم السريع، التي وثقت منظمات حقوقية ارتكابها جرائم حرب في الفاشر. هذه الاتهامات، المصحوبة بأدلة من صور الأقمار الصناعية، لم تلقَ بالاً في واشنطن لفترة طويلة.
خلف هذا التقاعس، تبرز حقيقة جيوستراتيجية، وهي أن السودان يشكل رافعة استراتيجية لأي قوة تحسن استغلاله. وبرغم أن ترامب صرّح بسذاجة مصطنعة: «كنت أظن السودان أرضاً حرة بلا حكومة»، فإن محمد بن سلمان «شرح الأمر بشكل جيد»، وفق ترامب نفسه. هنا تكمن نقطة التحول.. السعودية لم تعد تنتظر تفعيل الوساطة الأمريكية، بل بادرت بشرح الحقائق وترجمتها إلى ضغط سياسي مباشر على الولايات المتحدة للعب دورها الدولي.

ثانياً: من جدة إلى واشنطن.. تطور الوساطة السعودية
كانت جدة المنطلق الحقيقي للدبلوماسية السعودية، إذ أطلقت الرياض والولايات المتحدة منبراً للتفاوض في مايو 2023. لكن فشل هذا المسار، بسبب رفض ميليشيا الدعم السريع تطبيق الاتفاقيات، كشف حدود القوة الناعمة. فلم تعد تكفي الوساطة، بل أصبح ضرورياً الضغط على مصدر التمويل والسلاح.
هنا تحولت السعودية إلى لاعب استراتيجي يملك مفاتيح الحل. فهي تدرك، أن أي مبادرة سلام لن تنجح ما دامت الميليشيا تتلقى دعماً خارجياً يمنحها القدرة على الاستمرار.

ثالثاً: آلية الضغط السعودية الأمريكية
التحرك السعودي يستند إلى ثلاث ركائز:
أ. التحالف التكتيكي مع الجيش السوداني: بينما يُنظر إلى السعودية في الدوائر الأمريكية بأنها الأقرب للجيش السوداني، لا تتخلى الرياض عن مظهر الوسيط. لكن محادثة محمد بن سلمان مع البرهان، والتي أوصى فيها الأخير بضرورة «الضغط الأمريكي على الإمارات»، كشفت التفاهم الاستراتيجي بين السعودية والمؤسسة العسكرية السودانية.
ب. استغلال الفرصة التاريخية: زيارة بن سلمان لواشنطن تأتي في «وقت دافئ» في العلاقات السعودية الأمريكية، وتزامناً مع «غضبة دولية» تجاه الإمارات بعد فظائع الفاشر. الرياض تستثمر هذا التحول لإقناع واشنطن بأنَّ استمرار الحرب يهدف إلى «خلق شرخ بين ترامب ومحمد بن زايد»، كما نقل مسؤول غربي.
ج. حرب المعلومات كسلاح أولي: بدأت معركة «الشرعية» مسبقاً. فقد أشارت مصادر إلى «حرب معلومات» بين حسابات إماراتية وسعودية، إذ تحاول الأولى تبييض صورة الميليشيا، بينما تعمل الثانية على تعزيز نشر الفظائع. هذا ليس مصادفة، بل جزء من إعداد الأرضية لفرض العقوبات.

رابعاً: الأبعاد الجيوسياسية
الهدف السعودي ليس إيقاف الحرب فحسب، بل إعادة هيكلة التحالفات في المنطقة. فالضغط المنسق مع واشنطن لسحب الدعم الإماراتي يحقق للرياض:
-إضعاف منافسة إقليمية: الإمارات كانت تستخدم السودان ساحة لتجربة نموذج «القوة بالوكالة»، ما يهدد النفوذ السعودي.
-ترسيخ القيادة السعودية: نجاح الضغط يؤكد للعالم، أن السعودية هي دولة الإقليم الأكثر قدرة على كبح التدهور.
-إعادة ترتيب أولويات ترامب: الرياض تعرض على واشنطن فرصة «نصر سريع» في السودان بعد فشل سياساتها في غزة وأوكرانيا.
الآن تبدو الخرطوم على مفترق طرق. فالتحالف السعودي الأمريكي يملك الأدوات الكافية: الرياض تمثل «الضغط الإقليمي»، وواشنطن تملك «العقوبات الاقتصادية». إذا نجح بن سلمان في إقناع ترامب بقطع شريان الإمداد الإماراتي، وفرض عقوبات على قادة ميليشيا الدعم السريع، فإن الحرب يمكن إنهاؤها في وقت وجيز.
لكنَّ السؤال الأهم: هل ستحوّل واشنطن الكلمات إلى إجراءات؟
فالمؤشرات تقول إن الإدارة الأمريكية أصبحت ترى الإمارات «كارتاً محروقاً» بعد فضائح دعمها للميليشيا. والأهم، أن بن سلمان لم يعد يطلب فقط، بل يضغط بأوراقه الجيوسياسية. وهذا ما يجعل اللحظة الحالية الأكثر ملاءمة لنهاية الحرب السودانية منذ اندلاعها.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *