• يُعد الضعف الجنسي، أو ما يُعرف طبيًا باسم ضعف الانتصاب (Erectile Dysfunction)، من أكثر المشكلات الصحية شيوعًا بين الرجال، خاصة بعد سن الأربعين.
وهو لا يؤثر فقط على الأداء الجنسي، بل يمتد ليؤثر على الثقة بالنفس، والعلاقات الزوجية، والحالة النفسية العامة.
ورغم أن الكثيرين يترددون في الحديث عنه بسبب الحرج الاجتماعي، فإن الحقيقة الطبية تؤكد أن هذه الحالة قابلة للعلاج في معظم الأحيان، خصوصًا مع التشخيص المبكر ومعالجة السبب الجذري.
ما هو الضعف الجنسي؟
الضعف الجنسي هو العجز المستمر أو المتكرر عن تحقيق أو المحافظة على انتصاب كافٍ لإتمام العلاقة الزوجية بشكل مُرضٍ.
ولا يُعتبر فشل الانتصاب مرة أو مرتين ضعفًا جنسيًا، إذ قد يتأثر الانتصاب بعوامل مؤقتة كالتعب أو التوتر.
أما عندما تتكرر المشكلة أو تستمر لعدة أسابيع أو أشهر، فإنها تُعد حالة تحتاج لتقييم طبي دقيق.
كيف يحدث الانتصاب؟
الانتصاب عملية معقدة تتداخل فيها عدة أنظمة بالجسم، تشمل الجهاز العصبي، والدورة الدموية، والهرمونات، والعوامل النفسية.
فعند الإثارة الجنسية، يُرسل الدماغ إشارات إلى الأوعية الدموية في العضو الذكري لتتوسع، فيندفع الدم إلى الأنسجة الإسفنجية، مما يؤدي إلى تصلب القضيب.
أي خلل في هذه المراحل — سواء في الإشارات العصبية أو تدفق الدم أو الهرمونات — يمكن أن يؤدي إلى ضعف الانتصاب.

الأسباب العضوية للضعف الجنسي
1. أمراض الأوعية الدموية
تُعتبر أكثر الأسباب شيوعًا.
تصلب الشرايين، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع الكولسترول، ومرض السكري جميعها تقلل من تدفق الدم إلى القضيب، مما يؤدي إلى ضعف الانتصاب.
2. داء السكري
السكري من أكثر الأمراض ارتباطًا بالضعف الجنسي، لأنه يؤثر على الأعصاب والأوعية الدموية معًا. تشير الدراسات إلى أن حوالي نصف الرجال المصابين بالسكري يعانون من درجات متفاوتة من ضعف الانتصاب.
3. أمراض القلب
القلب هو المضخة الأساسية للدورة الدموية، وأي ضعف في أدائه يؤدي إلى نقص تدفق الدم، بما في ذلك إلى الأعضاء التناسلية. ولهذا يُعد الضعف الجنسي في بعض الأحيان إنذارًا مبكرًا لأمراض القلب والشرايين.
4. اضطرابات الهرمونات
انخفاض هرمون التستوستيرون الذكري قد يؤدي إلى ضعف الرغبة والانتصاب. كما يمكن أن تلعب اضطرابات الغدة الدرقية أو زيادة هرمون البرولاكتين (البرولاكتينيميا) دورًا مشابهًا.
5. الأمراض العصبية
مثل التصلب المتعدد (MS)، أو إصابات النخاع الشوكي، أو جراحة الحوض والبروستاتا التي قد تؤثر على الأعصاب المسؤولة عن الانتصاب.
6. الأدوية
بعض الأدوية قد تسبب ضعف الانتصاب كأثر جانبي، خاصة أدوية ارتفاع الضغط، والاكتئاب، ومدرات البول، وبعض أدوية القلب.
7. التدخين والكحول والمخدرات
التدخين يسبب تضيق الشرايين، والكحول يؤثر على الأعصاب والهرمونات، والمخدرات — خاصة الحشيش والكوكايين — تضعف استجابة الجسم العصبية والوعائية.

الأسباب النفسية
تلعب العوامل النفسية دورًا مهمًا، خصوصًا لدى الرجال الشباب.
القلق من الأداء الجنسي، والتوتر، والاكتئاب، والخلافات الزوجية، كلها عوامل قد تمنع حدوث الانتصاب أو تجعله غير مستقر.
كما أن الضعف الجنسي قد يبدأ بسبب مشكلة عضوية بسيطة ثم يتفاقم بسبب القلق النفسي الناتج عنها، فيدخل المريض في دائرة مغلقة من الخوف والفشل.
الأعراض والعلامات
العلامة الأساسية هي صعوبة تحقيق أو الحفاظ على الانتصاب أثناء العلاقة الزوجية.
وقد يصاحبها:
ضعف الرغبة الجنسية.
تأخر القذف أو سرعة القذف.
الشعور بالحرج أو القلق قبل العلاقة.
ضعف الثقة بالنفس أو انسحاب من الحياة الزوجية.

التشخيص
يتطلب التشخيص تقييمًا شاملًا من الطبيب، ويشمل:
أخذ تاريخ طبي وجنسي مفصل.
فحص جسدي عام.
تحاليل الدم لقياس مستوى السكر والكولسترول والتستوستيرون.
أحيانًا تُستخدم فحوص متقدمة مثل دوبلر القضيب لقياس تدفق الدم، أو اختبارات الأعصاب.
الهدف هو تحديد ما إذا كان السبب عضويًا أم نفسيًا، لأن العلاج يختلف بين الحالتين.
العلاج
1. تغيير نمط الحياة
أول خطوات العلاج هي تحسين العوامل المسببة:
الإقلاع عن التدخين.
تقليل الكحول والمخدرات.
ممارسة الرياضة بانتظام.
تقليل الوزن الزائد.
ضبط السكر والضغط والكولسترول.
هذه التغييرات البسيطة يمكن أن تُحدث فرقًا كبيرًا في الأداء الجنسي.
2. العلاج الدوائي
تُعد الأدوية من نوع مثبطات إنزيم PDE5 مثل السيلدينافيل (فياغرا) والتادالافيل (سياليس) والفاردينافيل من أكثر العلاجات فعالية.
تعمل هذه الأدوية على زيادة تدفق الدم إلى القضيب عند وجود الإثارة الجنسية.
لكن يجب تناولها تحت إشراف طبي لتجنب التداخل مع أدوية القلب (خاصة النترات).
3. العلاج الهرموني
في حالات نقص التستوستيرون، قد يصف الطبيب علاجًا ببدائل الهرمون تحت إشراف دقيق.
4. الحقن الموضعية
في بعض الحالات التي لا تستجيب للأدوية الفموية، يمكن استخدام حقن داخل القضيب بمادة موسعة للأوعية، تؤدي إلى انتصاب مؤقت يساعد في إتمام العلاقة.
5. الأجهزة المساعدة
تُستخدم أجهزة تفريغ الهواء (Vacuum devices) التي تسحب الدم إلى القضيب ميكانيكيًا، وتُثبت الانتصاب بواسطة حلقة مطاطية.
6. الجراحة
في الحالات المزمنة أو غير المستجيبة، يمكن اللجوء إلى زرع دعامات أو أطراف صناعية داخل القضيب، وهي عمليات دقيقة بنسب نجاح مرتفعة.
7. العلاج النفسي
العلاج السلوكي والمعرفي مفيد جدًا، خاصة إذا كان التوتر أو القلق سببًا رئيسيًا.
يشمل العلاج جلسات مشتركة بين الزوجين أحيانًا لتحسين التواصل والثقة وتجاوز القلق من الفشل.
العلاقة بين الضعف الجنسي وصحة القلب
من المهم معرفة أن الضعف الجنسي قد يكون أول عرض لمرض قلبي صامت.
فالشرايين الدقيقة التي تغذي القضيب هي أول ما يتأثر بتصلب الشرايين، قبل شرايين القلب والدماغ.
لذلك يُوصي الأطباء بإجراء فحص شامل للقلب عند أي رجل يعاني من ضعف جنسي مفاجئ، خاصة إذا كان عمره فوق الأربعين أو لديه عوامل خطر مثل التدخين والسكري وارتفاع الضغط.
الجانب النفسي والاجتماعي
الضعف الجنسي ليس مجرد مشكلة عضوية، بل هو تجربة إنسانية مؤلمة قد تهز ثقة الرجل بنفسه وتؤثر على زواجه.
من المهم كسر حاجز الصمت والتعامل مع الأمر كحالة طبية طبيعية تستحق العلاج وليس الخجل.
كما أن دعم الزوجة يلعب دورًا أساسيًا في نجاح العلاج، إذ يساعدها تفهمها واحتواؤها على تقليل القلق وتحسين التواصل العاطفي والجسدي.

الوقاية
الوقاية من الضعف الجنسي تبدأ بالحفاظ على صحة القلب والأوعية الدموية من خلال:
التغذية الصحية الغنية بالخضروات والفواكه.
تجنب الدهون المشبعة والسكريات الزائدة.
ممارسة النشاط البدني بانتظام.
النوم الكافي وتجنب الضغوط المزمنة.
الامتناع عن التدخين والكحول.
الضعف الجنسي في السودان والمجتمعات العربية
في السودان وكثير من الدول العربية، لا يزال الحديث عن الضعف الجنسي موضوعًا حساسًا، ما يجعل العديد من الرجال يعانون في صمت دون طلب المساعدة.
تؤكد الدراسات الميدانية التي أجرتها جمعية أطباء الرعاية الأولية السودانيين ببريطانيا أن ضعف الوعي الصحي واللجوء إلى العلاجات الشعبية أو الأعشاب دون إشراف طبي من الأسباب التي تؤدي إلى تفاقم المشكلة أو تأخير علاجها الصحيح.
كما أن انتشار أمراض مثل السكري والضغط والتدخين يزيد من نسب الإصابة بين الرجال في منتصف العمر.
لذلك فإن حملات التوعية التي تركز على التثقيف الصحي، وتشجع على الفحص والعلاج المبكر، تمثل خطوة أساسية لحماية الصحة الجنسية للرجل والأسرة.
الخلاصة
الضعف الجنسي مشكلة طبية شائعة لكنها قابلة للعلاج في أغلب الحالات.
هي ليست حكمًا بالفشل، بل إنذار من الجسم بضرورة العناية بالصحة الجسدية والنفسية.
ومع توفر الأدوية الحديثة والعلاجات المتطورة، يمكن لمعظم الرجال استعادة حياتهم الطبيعية إذا تعاملوا مع المشكلة بشجاعة وطلبوا المساعدة الطبية في الوقت المناسب.
الصمت والحرج لا يعالجان شيئًا، بينما الفهم والعلاج المبكر يعيدان الثقة، والصحة، والحياة الزوجية السعيدة.
شارك المقال
