لذلك نجد الإنتصار في المعارك الأخلاقية في كثير من الأحيان يشفع لصاحبه ويخلده التاريخ وإن كان على باطل . دعا الرسول صلى الله عليه وسلم ربه ( اللهم أعز إسلامنا بأحد العمرين وهما عمر بن الخطاب وعمرو بن هشام ( أبو جهل ) وبالتأكيد إختيار المعصوم لهذين الإسمين لم يكن صدفة فكلاهما كانا صلبين أشداء ، كل منهما مقتنع بفكرته لا يتزحزح عنها ويكن عداوة صارخة للإسلام ولكنهما ويتمتعان بقدر عال من الأخلاق. وكلنا يعلم من هو الفاروق ومواقفه العظيمة التي سطرها التاريخ وكان بحق وحقيقة عز ونصره للإسلام .
أبو جهل نفسه ورغم أنه مشرك ولكن له موقف مشهود عندما حاصر مشركي قريش بيت الرسول صلى الله عليه وسلم وأرادوا الدخول عليه وقتله فطلب منهم الإنتظار حتى الصباح فقال له أحدهم : فلم الإنتظار حتى الصباح لم لا نتسور عليه ( القفذ فوق السور ) وندخل البيت ونقتله ونستريح ؟
فقال له أبو جهل : وتقول العرب أن أبا الحكم قد روع بنات محمد في بيتهن ؟ إنه لسنة في العرب أن يتحدث أنا تسورنا على بنات العم وهتكنا الحرمة ، لا واللأت لا تفعلوا .
الحرب الدائرة حالياً في السودان شهدت كثير من الإنتهاكات والسقوط المريع في مستنقع المعارك الأخلاقية من قبل الجنجويد وحتماً سيسجلها التاريخ ضمن الصحائف الأكثر سواداً عبر التاريخ.
قد يكون القائد الهالك جلحة أقل الشياطين سوءاً بمواقف بها شيئ من الأخلاق وإن إختلف البعض في ذلك ، ولكن لا يمكن أن ننسى أنه من إستنكر على الجنجودي عمر شارون إذلاله وتنكيله برجل كبير في السن وكذلك قيامه بمعاقبة بعض الجنجويد الذين ثبت قيامهم بإنتهاكات وسرقة بعض بيوت المواطنين ورفضه لكثير من الممارسات التي تقوم بها قوات الدعم السريع ولكن يبدو أن بذرة الخير التي بداخله لم تكن كافية حتى يتحول لشيطان وإله طيب تنتصر قيمة الأخلاق عنده.
عموماً هلك جلحة ومنظومة الجنجويد الآن كلها إلى زوال ولكن تبقى المعركة الحقيقية بعد أن تضع الحرب أوزارها هي كيفية تحويل هؤلاء الشياطين إلى بشر ومحاولة إخراج من أصلابهم جيل يؤمن بالتعايش السلمي في دولة المواطنة ولا يحمل عداوة لإنسان الشريط النيلي ولو أغفلنا ذلك ستندلع حروب أخرى حتى ولو بعد قرن من الزمان .