• تواجه المعلمين مشكلات متعددة، منها البيئة المدرسية غير المهيأة للعمل، والنقص الحاد في الكتب والوسائل التعليمية، وازدحام الفصول، لكن رسل المعرفة يتحاملون على أنفسهم في سبيل أداء رسالتهم. ويبتكرون الحلول لما يواجههم من عقبات.
الظروف المذكورة اعتاد المعلمون على التعامل معها، لكن هناك قضايا أكبر، تتمثل في العقاب البدني للتلاميذ، ونظرة الأسر لهذا الموضوع، حيث تنقسم الأسر إلى ثلاث فئات، وهي على النحو التالي
أولاً: ولي أمر مؤيد بشدة لموضوع العقاب البدني، وقد كان الأب في زمان سابق عندما يسجل ابنه في المدرسة يردد مقولة (يا أستاذ ليكم اللحم ولينا العضم).
ثانياً: ولي أمر يتقبل العقاب البدني، لكن وفق ضوابط وبطريقة لا تسبب الأذى لابنه.
ثالثاً: ولي الأمر الذي يرفض العقاب البدني تحت أي مبرر، والأخطر منه الشخص الذي يترصد أحد المعلمين لسابق مشكلة بينهما، أو بسبب سوء تفاهم حدث بينهما، أو لأسباب شخصية. وهذا موضوعنا الذي عنيته.
ففي أحد الأعوام نقل إلى مدرستنا معلم في بداية عمله بالتدريس، وهو من المنتمين إلى جماعة أنصار السُّنة، وحدث حوار بينه وبين طالب والده من جماعة الشيخ حسن الفاتح قريب الله، وصار والد الطالب يتحين الفرصة للاشتباك مع المعلم، حتى وجدها يوماً عندما أخبره ابنه بأن المعلم المعني عاقبه ضمن مجموعة من الطلاب، فتوجه الأب إلى مركز الشرطة، ودوّن بلاغاً يتهم فيه المعلم بضرب ابنه.
سعينا في المدرسة لاحتواء الأمر ومعاجته داخلياً، فجلسنا ممثلين عن المعلمين ومجلس الآباء مع والد الطالب، لكنه لم يتجاوب معنا، ورغم العلاقات التي تربطنا منذ عشرات السنين، إلا أنه كان مصراً على مقاضاة المعلم، فعدنا بخفي حنين.
وقبل جلسة المحكمة بأيام حضر إلينا المذكور، ليبلغنا بأنه شطب البلاغ لدى الشرطة،
وكان السبب أنه تحدث في مجلس شيخه عن الذي فعله، فدار الحوار التالي بين الشيخ والرجل:
* انت بتشتكي معلم ولدك لدى الشرطة؟
* الأستاذ ضرب الولد كف
* وهل دا سبب لتشتكي المعلم؟ أمشي أشطب البلاغ.
* لكن الأستاذ دا (وهابي) يا شيخ.
* ولو كان وهابي، أليس هو من يعلم ولدك؟ إذا لم تشطب البلاغ وتعتذر لأسرة المدرسة لا تحضر مجلسي مرة أخرى.
فذهب والد الطالب وشطب البلاغ، ثم حضر معتذراً.
رحم الله الشيخ المربي البروف حسن الفاتح قريب الله، وجعل عمله هذا خالصاً لوجه الله ومتقبلاً، ما أحوجنا إلى هذه الروح وهذا التسامح، الذي لا يصدر إلا عن الكبار قولاً وفعلاً. ولو سادت هذه الروح لعاد إلى المجتمع الأمن والسلام والاطمئنان.