• أقلِّبُ وجهَ وِسادتي ذات اليَمينِ وذات الشَّمال، وأحلامي باسِطةٌ ذِراعيهَا رغماً عن أنفِ واقعٍ مستَحيل. قمِيصُ الصبرِ مقدُودٌ، وثُقبُ الحنينِ ذاكرةُ الأمسِ. والشَّوقُ كذِئبِ «يُوسُفَ» لا ذنبَ له. والتَّوقُ يرتدي ثوبَ «زُلَيْخَا». وأصَابِعي قطَّعَهَا النَّدم. وأبواب بلادي مُغلَّقة على أهلي دُوني.
الساعةُ الآنَ .. جلسة ضَحَكَات أبي، يُدخِّنُ أنفاسَه، ويحتَسِي من صَنيعِ أمي كُوبَ المساء. يُشاغِبَها تارةً، ويثيرُ خطوطَ جبينِها تارةً أخرى. بمثلِ هذا الوقتِ كنتُ أُغامِزَه لنَفتَعِلَ حَراكاً (أقصدُ إفتعالَ شِجارٍ نحرِّض بهِ ضَجَر أمي). وقبلَ أنْ تُمارسَ علينا غضب «الحكومة» فتمنع عنا العَشاء، نعُودُ لتَبْجِيلِها، نقدِّمُ لها كلمات الحُب والإمتنان. وأضحكُ حين تنقلِبُ الطَّاوِلةَ ويقفُ أبي في صَفِّ عزيزة قَلبِهِ ضدِّي. أذكرُ همسَه حينَ يقولُ .. (المرأةُ تَعشَقُ بأذنِها)، ويقهقِهُ حين أهَمهِمُ لأمي بأنَّ رجُلَها مُراوغٌ، وماكرٌ! لكنها، رغم كل محاولاتي، لا تثق في حديثٍ سِواه. حقاً، هو رَجُلٌ يُجيدُ صُنعَ الحُجَجِ وإختراقَ الأفكار بالمنطق.
الساعةُ الآنَ .. تَتَمطَّى شَوكَاتُها على جسدِ وحَدتِي. تستَدعِي تَفَاصيلَ بيتِي : رائحة أمي، صدر أبي، وغضب شقيقتي وصُراخَهَا حين يُخبِرَها أبي أنِّي سرقتُ فُسْتَانَها، وتلكَ الأسَاوِر …!!
الساعةُ الآنَ .. تُخبرني أنَّ كل ما نعتادُ عليه لا نشعُر بهِ، ونفتَقِدَه إنْ لم نَفقِدَه.
الساعةُ الآنَ .. طويلة ثوانِيهَا، مشلولة دقائقها دونَهم ..
والآنَ .. أقلِّبُ حرفي، أكتُبَه وأحذِفَه. أرتشفُ قهوَةً لا تَصحَبُها ضَحَكاتُ سُكَّر. أنهضُ عن مقعَدِ ضَجَرٍ من ثِقَلِ أفكَارِي. أتقرفَصُ. أقفُ. أجلسُ. أتأفَّفُ. أنظرُ من نافِذتي وأُطارِدُ نظراتي التَّائِهة. أُجاهدُ بكلِّ التَّجاهُلِ لأُخرسَ صوتاً يهمسُ بي «كمِ الساعة الآن في بيتِك؟»، وأسْتَخْفَ من غُصَّةِ شوقٍ تعتَري مجرَى تنفُّسي. أستَعِينُ بأحلامي وأتجاسَرُ. أردِّدُ بصمتٍ : «الساعةُ الآنَ ستَمضِي، وحتماً سينقضِي الوقت مهما أبدَعتْ ثوانِيه في تمهُّلها، ولست بصغيرةٍ فقد كَبُرت على البُكاء.
و …
عذراً سيدي الحرف، فالساعةُ الآنَ تحتاجُ مني الهروب منكَ ومن الوقتِ، فلا شيءَ يؤجِّجُ الحنينَ ويهزمُ التَّجَلُّدَ أكثر من افتقادٍ تأتِي بِهِ الذِّكريَاتُ والتَّمنِي.