السودان والإمارات.. من التهادن إلى مواجهة العدوان
Admin 6 مايو، 2025 1462
الناجي حسن صالح
رئيس التحرير
• ثلاثة أيام فقط فصلت بين مقالي الذي نادى بضرورة مواجهة الخيانة الإماراتية، وبين القرار التاريخي لمجلس الأمن والدفاع السوداني الذي صنّف الإمارات كـ«دولة عدوان»، وقطع العلاقات الدبلوماسية معها. فهو ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو تحوّل جوهري في التعامل مع عدوٍ ظلّ لسنوات يطعن السودان في ظهره، بينما تهادنت معه حكومات متعاقبة تحت ذرائع دبلوماسية واهية. اليوم، لم يعد هناك مجال للتسويف أو التردد؛ فالإمارات لم تعد شريكاً يُدار بالحوار، بل خصماً يُواجه بكل أدوات السيادة.
اعتبار الإمارات «دولة عدوان» في حقيقته، إطار قانوني وسياسي يستتبع سلسلة من الإجراءات الحاسمة. أولها هو تفعيل كامل آليات الدفاع عن السيادة الوطنية، بدءاً بتجميد جميع الأصول الإماراتية في السودان، ومصادرة استثماراتها التي تحوّلت إلى أدوات لتمويل الإرهاب وتدمير الاقتصاد. فبنك الخرطوم وغيره من الكيانات الخاضعة للسيطرة الإماراتية يجب أن تُوضع تحت الحراسة القضائية، وتُحوّل أموالها إلى خزينة الدولة كتعويض عن الأضرار التي سبّبتها. كما أن أي تعامل مالي أو تجاري مع جهات إماراتية يجب أن يُنظر إليه الآن كخيانة للوطن، يستوجب المساءلة القانونية الفورية.
على المستوى الإقليمي والدولي، يفرض هذا التصنيف على السودان حملة دبلوماسية مكثّفة لكشف جرائم الإمارات أمام المحافل الدولية. فالقرار الأممي الذي يجيز للدول قطع العلاقات مع «دول العدوان» يُلزم المجتمع الدولي بمساندة السودان، لا سيما بعد أن أصبحت أدلة تورط أبوظبي في دعم الإرهاب وتفكيك الدول جزءاً من التقارير الرسمية للأمم المتحدة. كما أن السودان مُطالب الآن بمقاضاة الإمارات أمام المحكمة الجنائية الدولية كطرف داعم لجرائم حرب، خاصة بعد الهجمات المتعمّدة على البنى التحتية الحيوية مثل ميناء بورتسودان ومستودعات الوقود، والتي تُعتبر جرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي.
أما على الصعيد الأمني والعسكري، فإن اعتبار الإمارات «دولة عدوان» يعني تعامل القوات المسلحة السودانية مع أي توغل إماراتي – سواء عبر دعم المليشيات أو الاختراقات الإلكترونية أو التجسس – كعمل عدائي يستدعي الرد المباشر. كما يجب تعطيل أي محاولة إماراتية لاستخدام الأراضي السودانية أو مجالها الجوي لأغراض عدوانية، بما في ذلك منع تحليق الطائرات الإماراتية أو مرور سفنها في المياه الإقليمية السودانية إلا بعد تدقيق دولي.
لكن التحدي الأكبر يكمن في ترجمة هذا القرار إلى سياسات يومية تمنع الاختراق الإماراتي من الأبواب الخلفية. فالإمارات تمتلك شبكة معقدة من الوكلاء المحليين والعملاء الاقتصاديين الذين سيعملون على تخريب القرار عبر الضغوط أو الرشاوى أو حتى التهديدات. لذلك، يجب تفعيل آليات رقابية صارمة لمحاصرة هؤلاء، وإعلان قوائم سوداء بكل من يتعاون مع جهات إماراتية تحت أي ذريعة.
لقد انتظر الشعب السوداني طويلاً هذه اللحظة، حيث تُرفع فيه الغشاوة عن عيون من ترددوا في اتخاذ القرار بحجة «الحكمة» و«عدم الاستعجال». اليوم، لم يعد هناك مجال للحكمة المزيّفة، فالحرب المفروضة على السودان ليست خياراً يمكن التراجع عنه، بل واقعاً يجب مواجهته بكل شجاعة. القرار جاء متأخراً، لكنه جاء في لحظة مصيرية تُعيد للسودان جزءاً من كرامته المغتصبة.
الخطوة التالية هي البناء على هذا القرار لتحقيق انتصارات ملموسة: انتصارات في ساحات القتال ضد المليشيات المدعومة إماراتياً، وانتصارات في المحاكم الدولية التي يجب أن تُدان فيها أبوظبي كدولة راعية للإرهاب، وانتصارات اقتصادية باستعادة الثروات المنهوبة. السودان لم يعد ذلك الطرف الضعيف في المعادلة، بل أصبح شوكة في حلق كل من تسوّل له نفسه العبث بأمنه.
العدوان الإماراتي لن يتوقف إلا عندما يجد من يقف في وجهه بصلابة. والسودان، بقراره التاريخي، قد بدأ المعركة الحقيقية. فإما نصر يعيد للوطن هيبته، أو استسلام يكون فيه السقوط أعمق من أي وقت مضى. الشعب الذي قدم ملايين الشهداء لن يقبل بالخيار الثاني.
شارك المقال