السودان.. الوجود الأجنبي غير المشروع: التحديات والحلول

31
د. حاتم محمود عبدالرازق

د. حاتم محمود عبدالرازق

لواء شرطة متقاعد - محام ومستشار قانوني

• يُعَدُّ الوجود الأجنبي غير المشروع في السودان من الظواهر المتنامية، التي فرضتها الظروف الأمنية والاقتصادية والسياسية الراهنة في المنطقة. ولعلّ السودان، بموقعه الجغرافي الاستراتيجي، أصبح معبرًا ومستقرًّا مؤقتًا للعديد من المهاجرين غير النظاميين، الأمر الذي يستدعي الوقوف بجدية أمام أبعاده ومخاطره، والسعي لوضع حلول ناجعة تحفظ أمن الدولة وهيبتها.

ماهية الظاهرة وحجمها

يقصد بالوجود الأجنبي غير المشروع، إقامة الأفراد الأجانب داخل السودان دون استيفاء الشروط القانونية اللازمة، سواء بالدخول عبر المعابر غير الرسمية، أو بالبقاء بعد انتهاء التصاريح، أو بمزاولة أعمال مخالفة للقوانين. وتشير التقديرات إلى تزايد هذه الأعداد، نتيجة النزاعات في دول الجوار، وضعف السيطرة على بعض المناطق الحدودية، فضلًا عن العوامل الاقتصادية والاجتماعية الجاذبة.

الأبعاد الاجتماعية والأمنية

يشكّل هذا الوجود ضغطًا كبيرًا على الخدمات الصحية والتعليمية، ويؤثر سلبًا في سوق العمل، إذ يزاحم الأيدي العاملة الوطنية، ويضاعف نسب البطالة. كما يرتبط في بعض الأحيان بزيادة معدلات الجرائم مثل السرقات والنهب، مما ينعكس مباشرة على استقرار المجتمع وأمنه. ومن الجوانب المثيرة للقلق، أن بعض الأجانب أسهموا في تأجيج النزاعات المسلحة، سواء بالمشاركة المباشرة في القتال، أو عبر تقديم المعلومات، أو من خلال الانخراط في أعمال النهب والانتهاكات، وهو ما يهدد الأمن القومي، ويطيل أمد الصراعات.

الجوانب القانونية والتنظيمية

يمثل هذا الوضع تحديًا قانونيًا كبيرًا، إذ يقتضي إحكام الرقابة على الحدود، وتفعيل القوانين ذات الصلة، وتنسيق الجهود بين الجهات المختصة، بما يضمن تطبيق الإجراءات النظامية، دون المساس بالاعتبارات الإنسانية والالتزامات الدولية للسودان.

الظاهرة في المناطق الحدودية

يلاحظ في بعض المناطق الحدودية، ولا سيما الزراعية، لجوء المزارعين إلى الاستعانة بالعمالة الأجنبية، بحكم خبرتها وتدني كلفتها التشغيلية. وغالبًا ما يُسمح لهذه العمالة بالدخول بصورة استثنائية، أو دون ضوابط كافية، ما يؤدي إلى بقائهم بعد انتهاء الموسم الزراعي، وتحولهم إلى مقيمين بصورة غير قانونية. ورغم الدوافع الاقتصادية، فإن هذه الممارسات تسهم في تفاقم الظاهرة وتعقيد معالجتها.

المخاطر والتحديات

تهديد الاستقرار الأمني والاجتماعي.

استنزاف الموارد والخدمات العامة.

الإضرار بسوق العمل الوطني.

تشويه صورة الدولة والنيل من هيبتها وسيادتها.

التوصيات

1. إصدار وتفعيل تشريعات متكاملة للهجرة، مع وضع آليات واضحة لضبط الدخول والخروج والإقامة.

2. تعزيز قدرات الجهات المختصة، وتوفير الدعم المادي واللوجستي اللازم لها، بما يضمن قيامها بواجبها بكفاءة.

3. تشديد الرقابة على المناطق الحدودية، ولا سيما في المناطق الزراعية، مع وضع ضوابط واضحة للاستعانة بالعمالة الأجنبية الموسمية، وضمان عودتها بعد انتهاء مهامها.

4. إطلاق حملات توعية مجتمعية وإعلامية شاملة، تبرز خطورة التستر وتشغيل الأجانب المخالفين، وتدعو إلى التعاون مع الجهات المختصة في الإبلاغ عن المخالفات، بما يعزز الحس الوطني والمسؤولية المجتمعية.

5. توحيد جهود جميع الجهات المعنية وتكاملها، بما يضمن إدارة هذه الظاهرة بفعالية، ودون تعارض في القرارات أو الإجراءات.

إنّ الوجود الأجنبي غير المشروع في السودان، ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل قضية تمس أمن المجتمع واستقراره، وتستدعي استنفار الجهود الرسمية والشعبية على حد سواء. ولا بدّ من تحقيق توازن دقيق بين حماية الأمن والسيادة، ومراعاة الاعتبارات الإنسانية، بما يحقق مصلحة الوطن العليا، ويحفظ كرامته وهيبته أمام المجتمع الدولي.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *