رستم عبدالله

رستم عبدالله

كاتب وروائي يمني

• السودان، وما أدراك ما السودان. جرح عربي وإسلامي آخر نازف جرح دامي. السودان بلد التاريخ والحضارة العريقة الموغلة في القدم: حضارة كرمة وحضارة كوش الممتدَّة والضاربة خمسة آلاف عام في عمق التاريخ؛ بلاد العظمة والدهشة، الأهرامات النوبية الباسقة، بلد النيلين والثقافات المتعددة وسلَّة غذاء الوطن العربي؛ بلدُ الكتاب والشعراء والأدباء. بلد عبقريّ الرواية العربية: الطيب صالح، وعبدالعزيز بركة ساكن، ومحمد أحمد المحجوب صاحب رائعة «الفردوس المفقود»، وشاعر الاكتوبرية وأيقونة الأدب السوداني محمد مكي، والهادي آدم مبدع الأغنية الخالدة لكوكب الشرق «أغدا ألقاك»، وروضة إلحاج، ودينا الشيخ ، ونجاة إدريس، ووداد يوسف، ومالك بابكر بدري مؤسِّس علم النفس الإسلامي الحديث، ومحمد محمود طه، ومحمد المبارك عبدالله، وعبدالله كيري، ومحمد بدوي مصطفى، وحمور زيادة، وأمير تاج السر، وبشرى الفاضل و قائمة الإبداع السوداني تطول وخريطة مآثره تمتد. فقد وقف السودان دائما وأبدا مدافعا ومنافحا عن قضايا الأمة العربية الإسلامية وحركات التحرر ومنه خرجت “اللاءات الثلاث” وهي مبدأ أعلنه قادة الدول العربية في قمة الخرطوم عام١٩٦٧م دعما للقضية الفلسطينية عقب النكسة
زارته كوكب الشرق أم كلثوم في عام ١٩٦٨ في إطار جولتها الفنية لجمع تبرعات للمجهود الحربي للجيش المصري طامعةً في كرم السودانيين، فاستُقبِلت استقبالًا رسميًا وشعبيًا كبيرًا في الخرطوم. ترعرع فيه شاعر السيف والقلم محمود سامي البارودي، وأقام فيه مدة من الزمن شاعر النيل حافظ إبراهيم.

إن فضل السودان علينا كبير ليس فقط في مجالات الفكر والثقافة والإبداع والأدب، بل لقد تعلَّمنا وتتلمذنا في اليمن وفي بلدان عربية شتّى في الابتدائية والإعدادية والثانوية على يد أساتذة سودانيين أَجلاء.

ها هو السودان الذي أعطانا الأدب والمعرفة والعلم والثقافة يتعرض لأبشع مؤامرة في حياته تستهدف أرضه ووحدته وثقافته وشعبه. فمنذ قرابة عامين ونصف، منذ 15 أبريل 2023، والشعب السوداني الطيب يتعرض لحرب إبادة قذرة؛ إذ بدأت الاشتباكات في العاصمة الخرطوم بين قوات الجيش السوداني و«الدعم السريع» للاستحواذ على السلطة، ومن ثم انتشرت شرارة الحرب إلى كل أنحاء السودان مخلفةً ورائها آلاف القتلى والجرحى والمشردين.

ومع ضراوة المعارك ووطأتها التي طالَت كل شبر في أرض السودان النازف، كانت المعارك الأشد ضراوة في دارفور، والتي لها تاريخ طويل في الصراعات على السلطة والثروة؛ ذلك الإقليم الخصب والثري والمضطرب والمظلوم، الذي يحتوي على ثروات وموارد معدنية هائلة مثل الذهب واليورانيوم والحديد والنحاس والنفط، بالإضافة إلى الثروة الحيوانية الكبيرة (الإبل والغنم والبقر)، والزراعة (مثل الصمغ العربي والقطن والتبغ والحبوب)، والمياه الجوفية الوفيرة. وتنتشر مناجم الذهب في مناطق مثل جبل مون وغرب دارفور، وتوجد فيها كميات كبيرة من معدن اليورانيوم. كل هذا جعل عصابات الجنجويد الإرهابية تتسلط على الإقليم وعلى سكانه وتذيقهم الويلات والمرّ، وترتكب أعمالَ قتل وإبادة وتعذيب وحشية، وتنهب الثروات ومقدَّرات الشعب السوداني وتُشحنها في سفن وطائرات إلى دويلة الإرهاب والشر (الإمارات) مقابل دعم الجنجويد (الدعم السريع) بالمرتزقة والسلاح والعتاد لقتل السودانيين، في حين يحصد الشعب السوداني القتل والفقر والتنكيل والتشرد.

شاهدنا جميعًا وشاهد العالم سقوط مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، بعد عامين ونيف من الحصار والتجويع وأعمال الإبادة والقتل الوحشية والتعذيب التي ارتكبتها عصابات الجنجويد (الدعم السريع) الإرهابية بقيادة سفّاح الفاشر ودارفور، مجرم الحرب السادي محمد حمدان دنقلا “حميدتي”. كيف راح يقتل الشباب والأطفال والنساء بدمٍ بارد، وراحَت قواته تغتصب النساء وتصلبهن على الأشجار، وتبقر بطون الحوامل منهن، وكان الشباب يُساقون كالخرفان إلى خنادق الموت ويُقتَلون بوحشية بالآلاف.

إن الجزار حميدتي لا يقلُّ جرمًا ووحشيةً وفضاعةً عن مجرم الحرب نتنياهو؛ فهما وجهان لعملةٍ واحدة وإرهابٌ واحد—بل تفوّق السفّاح حميدتي على مُلْهِمه نتنياهو.

مطلوب منا ككتاب وأدباء ومغردين أن نرفع الصوت عالياً؛ كما أوصلنا قضية غزة العزّة إلى العالم، يجب أن نوصل مأساة إخواننا في السودان إلى العالم، وأن نكتب ونكتب ولا نتوقّف أبدًا عن الكتابة، ونستمرّ في التغريد على كل منصات التواصل لنفضح قبح المجرم والشيطان الدموي حميدتي ومليشياته الإرهابية وداعموه—شيطان العرب وإخوته—فهذا واجب ديني وأخلاقي وإنساني. ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.

وَحَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *