
الناجي حسن صالح
رئيس التحرير
• ما زال المواطن السوداني – وسيظل – حطباً تُذكى به نيران الصراع، يحمل أوزار السياسيين بكل ألوانهم، حكومة ومعارضة، لا يتقون الله فيه، ولا يجد في دوائر اهتمامهم مكاناً. تُلهيهم كراسي السلطة الزائلة، وتطمس أبصارهم ضبابات الأحقاد المتبادلة.. كأنما نسوا أن هناك أنوفاً تشتم رائحة الظلم، وآذاناً تسمع صراخ المظلومين، وقلوباً تئن تحت وطأة الإهمال!
حكومة تزدري معارضتها.. فهذا مصيرنا.
ومعارضة لا تحترم حكومتها.. فهذا حالنا.
كلاهما يغض الطرف عن المواطن، فصرنا – بلا كرامة – غنيمة للسخرية حيثما كنّا!
أينما تولي وجهك في هذا الوطن الواسع، ترى المواطن كالظل الممتد، حاضراً بجسده، غائباً بحقوقه. هو الرقم الصعب في معادلة لا يعرفها سوى الحكام والمعارضين، لكنه الرقم المنسي في سجل الحسابات! يُطلب منه الصبر حين يجوع، والسكوت حين يُظلم، والفرح حين يُمنّ عليه بفتات ما هو حقٌ له!
هذا هو مصيرنا ما دامت معارضتنا تُسوِّق في المحافل الدولية مقولة (عليَّ وعلى أعدائي)، وتطعن في خاصرة الوطن كالفيل الأعمى الذي لا يرى إلا ظله! حتى صار السودان والسوداني والحكومة ألفاظاً متداخلة في سوق النخاسة الحديث، يلقون بها في حقائبهم المهترئة، ويبادلونها بالوعود الزائفة! باعوا صوت الشعب بلا تفويض، واستعاروا ألسنته بلا استئذان، فخانوا الأمانة وارتضوا لأنفسهم الذل، وارتموا في أحضان (الأنا)!
معارضة – يمينها ويسارها – أرادت أن تقيم دولة علمانية على أرض يشهد ترابها (لا إله إلا الله)! وحكومة ترفع شعار (الكرامة) فما أقامت عدلاً يذكر بالخلافة، ولا حرية تشبه عصر الصحابة! فخرجنا (مسخاً) لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.. لا عنب الشام نلنا، ولا تمر اليمن ذقنا! صرنا أضحوكة للعالمين، يتطاول علينا من هم أحقر منا شأناً (مدن في شكل دول)!
أصبح السوداني غريباً في وطنه، كشجرة باسقة جذورها في السماء! يُحاصر من الداخل بسياسات عقيمة، ومن الخارج بصورة مشوّهة، صنعها بؤساء ممن يفترض أنهم حراس هويته. حتى اللغة صارت غريبة عليه، فكلٍّ يتكلم باسمه بلسان لا يعرف هيبة الاسم!
أولى بهم – قبل أن يُطالبوا الآخرين باحترامنا – أن يكفوا عن جرنا إلى مستنقعات صراعاتهم، وأن يبنوا دولة العدالة الحقة.. دولة الحرية التي تسع الجميع، وتُؤمِّن للضعيف حقه، وتسمح للصائح أن يصرخ في وجه الظالم دون خوف! عندها.. لن نسأل لماذا أهاننا العالم!
لمتحاربينا ومتسلطينا أقول:(اذهبوا جميعاً إلى جحيم!)
فقد جاء في الكتابِ المبين: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}
وكفى بالله شهيداً.
لكنْ في صدورنا يقين أن شمس الحق لا بد أن تشرق، وأن ليل الظلم لا بد أن ينجلي. فالشعوب التي تعرف معنى الكرامة الحقيقية لا تموت، وإنما تنبت من آلامها زهور الانعتاق. وسيأتي يوم نسترد فيه وطننا من بين أنياب المتنازعين، لنصنع منه جنة كما أراد الله، لا كما تهوى النفوس المدنفة!
شارك المقال