• في وطنٍ أنهكته الصراعات، وتبددت أحلام أجياله بين أزيز الرصاص وصوت المدافع، لم يعد مطلب السلام ترفًا سياسيًا أو شعارًا للاستهلاك الإعلامي، بل أصبح ضرورة وجودية لإنقاذ ما تبقّى من روح البلاد. فشعب السودان – الذي عانى عقودًا من ويلات الحروب الداخلية والنزاعات العبثية – بات اليوم أكثر وعيًا من أي وقت مضى بأن السلاح لا يبني وطنًا، وأن الدم لا يثمر سوى المزيد من الحزن والانقسام.
الحروب التي اندلعت تحت ذرائع مختلفة – حماية الوطن، الدفاع عن السيادة، أو تصحيح المسار – لم تنتج سوى الخراب، وفقدان الأرواح، وتشريد الملايين داخل البلاد وخارجها.
كل بيت سوداني اليوم يحمل في داخله جرحًا، وكل أمٍّ تنتظر عودة ابنٍ غاب في المجهول. لقد آن الأوان لأن تتوقف دوامة العنف، وأن يُسمع صوت العقل فوق أصوات البنادق.
السلام ليس مجرد اتفاق يُوقّع بين أطراف متنازعة، بل هو ثقافة جديدة تُزرع في النفوس، تقوم على العدالة، والمواطنة المتساوية، واحترام التنوع. فبلد كالسودان، بثقافاته الغنية وتعدده الاجتماعي، لا يمكن أن يُدار بعقلية الغلبة والإقصاء، بل يحتاج إلى عقد اجتماعي جديد يعترف بالجميع، ويمنح كل مواطن حقه في العيش الكريم.
إن الطريق إلى السلام الحقيقي يبدأ من الاعتراف المتبادل بالأخطاء، ومن الشجاعة في فتح صفحة جديدة دون إلغاء الماضي، بل بالتعلم منه. فالتاريخ علّمنا أن النصر الحقيقي ليس في كسب المعارك، بل في كسب النفوس وبناء الثقة بين أبناء الوطن الواحد.
لقد أثبتت التجارب أن الحرب لا تُغيّر الواقع بقدر ما تُعمّق المآسي، بينما السلام يفتح الباب أمام التنمية، والتعليم، والاستقرار، ويعيد للإنسان السوداني كرامته التي انتُهكت في زمن الفوضى. إن وقف النزيف هو المدخل الأول نحو نهضة وطنٍ يستحق الحياة.
ختامًا، يبقى السلام هو الحلم الجمعي الأكبر، ليس فقط للنخب أو السياسيين، بل لكل طفل يريد أن يذهب إلى مدرسته بأمان، ولكل مزارع يتطلع إلى أرضه دون خوف، ولكل لاجئ يحلم بالعودة إلى بيته. فليكن السلام خيارنا الوطني والإنساني، ولتكن الحروب – بكل عبثها – درسًا نتجاوزه إلى مستقبلٍ أكثر وعيًا وإنسانية.