الزملاء في إدارات التعليم: ليكن بيننا الودّ والمروءة

144
حسن عبدالرضي

حسن عبدالرضي الشيخ

كاتب صحفي

• في زمنٍ اشتدّت فيه المحن، وضاقت فيه سبل العيش على المعلم السوداني حتى كاد يفقد صبره الذي كان زاده في الشدائد، يبرز واجبٌ عظيم على كل من تقلّد مسؤولية في إدارات التعليم ووزارات التربية: أن يتذكّر أنّه لم يُولَّ المنصب ليترفع به على زملائه، بل ليكون خادماً لقضية التعليم، وراعياً لمن يحملون على عاتقهم أمانة تربية الأجيال.

آن الأوان لأن نُعيد إلى هذه المهنة روحها النبيلة، وأن نُرمّم ما تصدّع من جسور الثقة بين الإدارات والمعلمين، بخطابٍ جديدٍ يسوده التواضع والتراحم والاحترام.

ليس المطلوب خطباً منمّقة ولا وعوداً براقة، بل كلمةٌ صادقة تنبع من القلب فتصل إلى القلوب، ولمسةُ إنصافٍ تمسح غبار الإهمال عن وجوهٍ أنهكها الصبر والعمل في صمتٍ طويل.

يا وزراء التربية، ويا مديري التعليم في ولايات السودان كافة:

تذكّروا أن المناصب لا تدوم، وأن من يجلس اليوم على كرسيّ السلطة سيغادره غداً، إما بإحالةٍ إلى المعاش، أو بقرارٍ إداري، أو بحكم القدر الذي لا يُردّ. ولن يبقى منكم سوى الأثر، إمّا طيّباً يُروى في المجالس، وإما مُراً يرويه التاريخ بأسى.

فاختاروا لأنفسكم ما تحبون أن يُقال عنكم حين تُطوى الصفحات: أكانوا عوناً لإخوانهم في المهنة أم كانوا عبئاً عليهم؟

ليس من الرشد ولا من المروءة أن يشيّع الإداريون والوزراء بذكرياتٍ مثقلةٍ بالشكاوى والمرارات من معلمين أفنوا أعمارهم في خدمة الوطن. 

إننا لا نطلب المستحيل، ولا نسعى إلى حظوةٍ أو جاه، إنما نلتمس منكم كلمة عدلٍ تُنصف، ووقفة إنسانيةٍ تُقدّر، وقراراً صغيراً يُعيد للمعلم كرامته التي بها يُبنى التعليم ويزدهر الوطن.

تأملوا في حال زملائكم الذين غادروا الميدان بعد سنين من البذل، يحيون اليوم في صمتٍ وكفافٍ دون رعايةٍ أو تقدير. وانظروا إلى أسر المعلمين الذين استُشهدوا وهم يؤدّون واجبهم في أحلك اللحظات. هؤلاء هم أبناء الرسالة التي تجمعنا، وهم الأحقّ بالعطف والوفاء.

فاجعلوا في قلوبكم موطناً للرحمة، وفي قراراتكم نصيباً للعدل، وفي ألسنتكم كلمةَ شكرٍ تُحيي الهمم وتُعيد الثقة في المؤسسة التربوية.

فالتاريخ لا يخلّد الألقاب، بل يخلّد المواقف. والمناصب زائلةٌ لا محالة، أما الذكر الجميل فهو الباقي ما بقي الدهر.

اللهم اشهد أننا قد بلّغنا، ونأمل أن يصل صوتنا إلى من لا تزال في قلبه بقية من إحساسٍ بالواجب، قبل أن يطويه ضجيج الكراسي وضباب المناصب.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *