الزخم الثقافي الذي غاب عنا

11
طارق عبدالله علي

طارق عبدالله علي

كاتب صحفي

• منتدى التوثيق الشامل (الموسوعة) ما كان أبداً مجرد موقع عابر على شبكة الإنترنت، كان فصلاً كاملاً من كتاب الثقافة السودانية الممتد، وشاهداً رقمياً على عمق الحراك المعرفي في البلاد. حسرتي على غيابه ظلت دوماً تساورني، إذ بعد أن كان هذا الصرح الإلكتروني هو المرجع الأثمن وخزانة الذاكرة التي تحفظ التجارب والقيم السودانية، أضحى غيابه فراغاً كبيراً. فلقد كان المشروع شاهداً على جهد المئات من الأكاديميين والموثقين، ليقدم بانوراما شاملة للحياة السودانية.

انطلقت موسوعة التوثيق الشامل كأول بوابة إلكترونية للتوثيق في السودان، مدفوعة برؤية لتوثيق الحياة السودانية والتوثيق لكل المبدعين. وبحسب حديث الصحفي عبدالعزيز الننقة عنها، ذكر أن البوابة التي يشرف عليها د. توفيق الطيب البشير «كانت تتميز ببنيتها الشاملة، التي تضم 13 قسماً تغطي كافة أنحاء ومكونات السودان، ولضمان الجودة يتم تطبيق نظام رقابي صارم من قبل 23 خبيراً و11 هيئة استشارية و 12 هيئة رقابة، كما يعتمد المشروع على قوة بشرية ضخمة تزيد عن 880 متخصصاً، بينهم 825 من حملة الشهادات العليا و62 موثّقاً.

هذا التركيز على الجودة أثمر عن نتائج مبهرة، حيث وصل عدد المواضيع إلى نحو 47 ألفاً بحلول عام 2015». 

شخصياً، كان لي فيه اهتمام، تركز بشكل خاص حول المواد الأدبية الأصيلة التي احتضنها قسم المبدعين بالولاية الشمالية. هذا القسم كان زاخراً بالكثير من التوثيقات لسير قامات الشمال أمثال الطيب صالح و د. أحمد اب شوك، إضافة إلى قسم تراث أغنية الطنبور الذي كان بمثابة أرشيف حي للكنوز الأدبية التي أنجبتها هذه المنطقة العريقة، حيث شكل جسراً سمح لأصوات المبدعين من تلك البقعة بالوصول لجمهور أوسع.

حوت الموسوعة مكتبة عظيمة لعديد من فناني تراث الطنبور، لتضم أعمالاً نادرة وغير مسموعة، كمكتبة الراحل النعام آدم والراحل صديق أحمد ومكتبة الراحل يعقوب تاج السر والراحل يس عبدالعظيم ومحمد جبارة وميرغني النجار ومحمد النصري، ومكتبات لمبدعين في قرى الشمال لم يجدوا حظاً للذيوع. كما كان لكل شاعر قسم لقصائده. أذكر من الشعراء تاج السر عثمان الطيب وإسماعيل حسن، وعبدالله محمد خير، ومحمد الحسن سالم حميد، وخالد شقوري، وخالد الباشا، وعثمان عوض ضرار. وكانت هنالك مقالات كثيرة لكتاب متنوعين، منحونا حزمة من المعاني والمضامين الجميلة. هذا المَعلَم الذي غاب عنا تلقينا منه كل مفيد ومُثرٍ، وكان صداه مؤثراً على الحراك الأدبي والثقافي.

يؤلمنا توقف هذا المنهل الثقافي الغزير. إغلاقه أتى بعد جهود توثيقية جليلة، والتفاف معرفي ضخم، جمع نخبة من حملة الشهادات والموثقين حول مشروع وطني كبير. هذا الإغلاق يخلف فراغاً كارثياً في الفضاء السوداني. نتحسر اليوم على غياب موسوعة التوثيق الشامل. الفقد تجاوز موقعاً إلكترونياً، إنه فقد لإرشيف قومي حي. ذلك الأرشيف كان ذخيرة حقيقية تقاوم الاندثار والنسيان. ذكريات هذه الموسوعة تشعل فينا الحنين دائماً لها، فقد حفظت الموسوعة الهوية السودانية ووثقت إبداعاتها. نسأل بعشم كبير  الدكتور توفيق الطيب البشير: هل سيعود ذلك الإرث التوثيقي الكبير، الذي كان يحمل ملامح حياتنا السودانية بقيمها وموروثاتها من جديد؟ أم سيغيب للأبد ونكون قد خسرنا هذه المكتبة الضخمة؟!

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *