محمد المهدي

محمد المهدي

مستشار التحرير وكاتب صحفي

• والمواطن يعاني الأمرَّين من ارتفاع تكاليف المعيشة،  وفقدان الكثير من أصحاب الأعمال مواردهم، بعد ما رأيناه من نهب للممتلكات من البيوت والأسواق، وتدمير للمصانع والسيارات، وتوقف الدولة عن دفع الرواتب بانتظام، مع ضعفها، كل ذلك كان على حساب المواطن. 

والناس في تلك الحال، كان المأمول من الحكومة أن تأخذ بزمام المبادرة، وهي ترى الحال وما وصلوا إليه، فتبتدع الحلول، لتخفف عنهم ما هم فيه من بلاء. 

لكن يبدو أن هناك من يتولى أمر العباد وليس لديه ما يقدمه للناس سوى التعسّف في استخدام السلطات، وتحميلهم فوق طاقتهم. فنجد ذلك ماثلاً في الرسوم المفروضة على أهمّ مجالات، وهي الصحة والتعليم، وقبل ذلك الناحية الأمنية. 

عندما بدأت الحرب وأخذت في التمدد من ولاية إلى أخرى، كان من الضرورة أن يحمل كل شخص إثبات شخصيته، خصوصاً مع تسلل عناصر من الجنجويد إلى مختلف المناطق والإقامة فيها بين السكان، إما انتظاراً لوصول قواتهم إلى تلك المنطقة، وإما هرباً من مناطق سيطر عليها الجيش. 

لكن بدلاً من تسهيل إجراءات استخراج البطاقة القومية وتخفيض رسومها، وجعلها إلزامية، تم إيقاف إصدار البطاقة، والتركيز على جوازات السفر، مع مضاعفة الرسوم، وتفاوتها من ولاية إلى أخرى، بل من مركز إلى آخر  داخل الولاية، فتراوحت الرسوم بين 127 ألف جنيه و150 ألفاً. مما اضطر كثيراً من الناس إلى صرف النظر عن حمل وثائق شخصية. 

وفي مجال الصحة، ارتفعت كلفة العلاج، خصوصاً العمليات الجراحية، والفحوصات والتشخيص، فصار العلاج مثل الحج لمن استطاع إليه سبيلاً. 

هل يتجول ولاة الأمر  في المدن  والأحياء، ليروا الناس وهم يأكلون من التكايا، ويسكنون في مراكز الإيواء؟ 

هل صلُّوا في مساجد تلك الأحياء، وشاهدوا بأعينهم وسمعوا بآذانهم الشيوخ والنساء والأطفال، الذين يناشدون المصلين، منهم من يطلب طعاماً لأسرته ولو كان خبزاً جافاً، ومنهم من يطلب ثمن شراء دواء، ومنهم من يطلب العون في دفع تكاليف عملية جراحية. فمن أين يأتي هؤلاء بالملايين؟ 

الضلع الثالث التعليم، إن ما يحدث في هذا المجال يدعو للإحباط، فالجامعات أصبحت رسومها مرهقة حتى  للموسرين، فما بالك بأصحاب الدخل المحدود، كما اعتادت الجامعات على زيادة رسومها سنوياً، وفرض رسوم جديدة خارج الرسوم الدراسية (رسوم مركز، رسوم تدريب…. إلخ). كل ذلك في غياب تام أو في ظل صمت مخجل من وزارة التعليم العالي. 

والأدهى من ذلك رسوم امتحان الشهادة السودانية، حيث فرضت وزارة التربية على الطالب 50 ألف جنيه، ورسوم استخراج الشهادة 25 ألف جنيه، وأضيفت رسوم متفاوتة من كل ولاية، فولاية الخرطوم فرضت  40 ألف جنيه على الطالب. إضافة إلى ما فرضته المدارس أيضاً، بمعنى أن الرسوم تتجاوز المئة ألف جنيه. 

المتعارف عليه أن الرسوم الحكومية ورسوم الخدمات في الدول، لها علاقة تناسب مع دخل المواطن، لكن الذي نود معرفته والإجابة عليه، الآتي:

أولاً: من المكلف بتحديد الرسوم آنفة الذكر؟ 

ثانياً: ما المعايير المتبعة في تحديد القيمة المالية للرسوم؟ 

ثالثاً: هل يعلم المكلفون بتحديد الرسوم شيئاً عن سلم رواتب العاملين بالدولة والقطاع الخاص، وكم يبلغ الحد الأدنى للأجور؟ 

لقد اطلعت على الهيكل الراتبي الذي يعمل به الآن، فمدخل الخدمة للدرجات العمالية وهو الحد الأدنى يبلغ 12 ألف جنيه، إضافة إلى بدل وجبة يبلغ 7200 جنيه. يعني ما زال هناك من يبلغ راتبه سعر كيلو من اللحمة. 

عامل نفترض أن لديه ثلاثة أبناء سيجلسون لامتحانات الشهادة الابتدائية والمتوسطة والثانوية، يحتاج إلى قرابة 200 ألف جنيه لسداد تلك الرسوم، راتب كم من الشهور يساوي هذا المبلغ؟ 

هل بلغكم أيها المسؤولون أن كثيراً من الطلاب  لم يذهبوا إلى المدارس لضيق ذات اليد، ولكن أتت الحسرة من أن الذين درسوا من منازلهم عجز ذووهم عن سداد هذه المبالغ التي لا قبل لهم بتوفيرها. 

ما أقسى انكسار أبٍ وضعفه وشعوره بالعجز أمام ابنه، يكفي ما يعانيه أرباب الأسر في ظل هذه الظروف، فإن لم تستطيعوا أن تكون عوناً وسنداً لهم، فلا تكونوا اليد التي تغرس الخنجر  في قلوبهم.

نداء إلى المسؤولين: كونوا مثل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- الذي خشي أن يسأله الله عن بغلة عثرت بأرض العراق لِمَاذا لم يمهد لها الطريق. 

 الملايين من البشر  يعانون شظف العيش، ومأساة النزوح وفقدان الممتلكات، فهم أحق بالرأفة.

يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم: اللهم مَن وَلِيَ من أمر أُمَّتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومَن وَلِيَ من أمر أمَّتي شيئاً فشقَّ عليهم فاشقُقْ عليه.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *