الذهب الأخضر الذي ينبت في الأراضي القاحلة: شجرة الخروب.. استثمار المستقبل

672
pic000
Picture of إعداد: د. فخرالدين عوض

إعداد: د. فخرالدين عوض

خبير حوكمة وتكاليف الجودة والإنتاج - مؤسس وقيادي حركة السودان الأخضر

• تُعرف شجرة الخروب أو كما تُسمى في بعض المناطق: القرناط العريش أو القرانيط بأنها بحق «شجرة المستقبل» بامتياز.

هذه الشجرة المعمرة تتميز بخصائص فريدة تجعلها حلًا مستداماً وواعداً للعديد من التحديات البيئية والاقتصادية خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

قوة تحمل استثنائية وبساطة في العناية

ما يميز شجرة الخروب هو قدرتها الفائقة على تحمل أقسى الظروف المناخية. فهي مقاومة للجفاف بشكل كبير ولا تتطلب كميات كبيرة من المياه مما يجعلها مثالية للزراعة في المناطق التي تعاني من شح الموارد المائية.

علاوة على ذلك لا تحتاج الشجرة إلى سماد أو أدوية مكلفة لمكافحة الآفات والأمراض ولا تتطلب أيدي عاملة كثيرة للعناية بها.

بمجرد غرسها في مكان مناسب ستنمو بشكل منتظم وقوي دون الحاجة إلى رعاية مستمرة أو نفقات عالية.

مرونة في الزراعة وإنتاجية عالية

تتميز شجرة الخروب بمرونة كبيرة في اختيار موقع الزراعة إذ يمكن غرسها في أي تربة تقريباً حتى الأراضي غير المستغلة أو المهجورة مثل أطراف الحقول المنحدرات الجبال وحتى أطراف القرى والمدن.

هذه القدرة على النمو في مختلف أنواع التربة والظروف تفتح آفاقاً واسعة لاستغلال الأراضي التي قد لا تكون صالحة لزراعات أخرى. 

ورغم بساطة متطلباتها فإن إنتاجيتها عالية من القرون التي تُعرف بفوائدها المتعددة.

ثروة جبال النوبة المجهولة

شجرة الخروب أو الكضوضو كما تُعرف في جبال النوبة تمثل ثروة زراعية غير مستغلة بشكل كامل في المنطقة. 

هذه الشجرة دائمة الخضرة ذات إنتاج وفير من القرون التي يمكن أن تُستعمل في الصناعات الغذائية ، الدوائية والتجميلية فضلاً عن كونها غذاءً غنياَ وصحياً للبشر والحيوانات على حد سواء.

رغم الفوائد الكبيرة ما زال الاعتقاد السائد في بعض مناطق جبال النوبة أن الخروب مجرد علف للمواشي وهو تصور جزئي لا يعكس الإمكانات الحقيقية لهذه الشجرة. 

إذ تشير تجارب السكان المحليين إلى أن ثمارها تُستهلك أحياناً من قبل الأطفال وقد استخدمت مؤخراً لصنع عصير طبيعي لذيذ ومغذي وذو قيمة اقتصادية مرتفعة في الأسواق العالمية.

بما انها شجرة دائمة الخضرة وتنتج قروناً تحتوي على بذور حلوة يمكن استخدامها كبديل للشوكولاتة والسكر.

ميزة مهمة: 

مقاوم للجفاف ويتحمل الظروف البيئية القاسية.

ملاءمة بيئية: 

مناسب للمناطق الجافة وشبه الجافة، ويسهم في تحسين خصوبة التربة بفضل قدرته على تثبيت النيتروجين من الهواء.

الاستخدامات الغذائية والصناعية

يمكن مضغ ثمار الخروب الجافة أو الغضة لمذاقها الحلو وتنشيط اللثة وتحسين رائحة الفم.

تصنع من الثمار الغضة حلوى لذيذة تشبه المهلبية تُسمى في بعض المناطق «خبيصة»، أو يُصنع منها عصير منعش.

يمكن إضافة مسحوق الخروب إلى طحين القمح لتعزيز القيمة الغذائية للخبز، أو إلى العصائر واللبن والآيس كريم.

يُستخدم مشروب الخروب الساخن كبديل للشوكولاتة الساخنة أو القهوة.

القيمة الغذائية:-

يحتوي لب قرون الخروب على:

سكر: 55%

بروتين عالي الجودة: 15%

دهون: 6%

فيتامينات (أ، ب1، ب2، ب3، د) وعناصر معدنية مثل: البوتاسيوم، الكالسيوم، الحديد، الفسفور، المنغنيز، الباريوم، النحاس، النيكل، والمغنيزيوم.

أما الصناعات غير الغذائية:-

يُستخرج من قشور بذور الخروب مادة بلاستيكية تدخل في صناعة الأفلام السينمائية.

يُستخدم مسحوق الخروب في مستحضرات التجميل وصناعة المبيدات الحشرية.

خشب الخروب قوي ومتين وسهل الطلاء، ومناسب لصناعة الأثاث والأدوات المنزلية.

الفوائد الطبية:-

منظف للأمعاء ومنظم لحركتها.

معادل للحمضي والقلوي في الأمعاء.

ممتص للسموم والعفن في الأمعاء.

يثبط نمو الجراثيم.

مرطب وموسع للشعب الهوائية.

مدر للحليب للمرضعات ومدر للبول.

منشط لوظائف الكلى.

خافض للسكر والكوليسترول والدهون الثلاثية.

طارد للديدان ومقوي لجهاز المناعة.

مضاد لحموضة المعدة وخافض لضغط الدم المرتفع.

واقٍ من السرطان وهشاشة العظام.

منشط للدورة الدموية ومبيض للأسنان وطارد للغازات.

الأمراض التي قد يعالجها الخروب:-

الإسهال، الإمساك، السعال، الثآليل، الماء الزائد في الجسم، النزيف، قرحة المعدة، القولون العصبي، أمراض القلب والرئتين، عسر البول، آلام الأسنان واللثة، الربو والحساسية، التهاب الأمعاء، المغص، الجيوب الأنفية، والأحبال الصوتية.

هل تصدق أن إيرادات زراعة الخروب تفوق إيرادات زرع القمح والشعير واللوز والزيتون؟

مردودية اقتصادية عالية

دراسة من معهد الغابات المغربي قارنت بين مردودية الخروب والزراعات التقليدية مثل القمح، الشعير، الزيتون، واللوز على الأراضي الجبلية الصغيرة.

مداخيل هكتار خروب تعادل 22 ضعف مداخيل هكتار قمح.

مداخيل هكتار خروب تعادل 10 أضعاف مردودية هكتار شعير.

مداخيل هكتار خروب تعادل 4 أضعاف هكتار لوز.

مداخيل هكتار خروب تعادل 7 أضعاف مداخيل هكتار زيتون.

إنتاجية الهكتار في السنة العاشرة حوالي 25 قنطارًا، في السنة الخامسة عشر 60 قنطاراً وفي السنة الخامسة والعشرين 100 قنطار تقريبًا، مع الأخذ في الحسبان وجود 100 شجرة في الهكتار.

الخروب والبيئة الحضرية

تُظهر التجارب في الجزائر أن ظلال شجرة الخروب توفر مناخاً محلياً صغيراً (microclimate) يخفف من حرارة الصيف، ويعطي شعورًا بالانتعاش. 

أوراقها الكثيفة الداكنة، وتبادلها للأكسجين مع البيئة، يجعلها أفضل بكثير من أشجار الفِكس المضرة، وتتحمل الزراعة في المدن دون التأثير على الأرصفة والمرافق العامة.

مقارنة بين الخروب والكاكاو

الخروب:-

ضعف كمية الكالسيوم مقارنة بالكاكاو.

خالي من مركبات مسببة للصداع النصفي.

خالي من الكافيين والدهون.

الكاكاو:-

يحتوي على حمض الأوكساليك الذي يقلل امتصاص الكالسيوم.

قد يسبب الصداع النصفي عند بعض الأشخاص.

غني بالصوديوم والدهون.

الخروب: 

غذاء تاريخي ضد المجاعات

لقد لجأت العديد من الشعوب تاريخياً إلى الخروب كمحصول يحميهم من المجاعة نظراً لطول فترة حفظه وسهولة استخدامه.

إلى جانب ثمارها يُستفاد من أجزاء أخرى من الشجرة:-

اللحاء: 

لصناعة الحبال وربط القطاطي.

الأوراق: 

تستخدم تقليدياً لعلاج لدغات الثعابين.

الجذور والفروع: 

تتحمل الظروف القاسية ولا تسبب أضراراً للبنية التحتية عند زراعتها بالقرب من المنازل أو الشوارع.

بهذا الشكل تُبرز شجرة الخروب في جبال النوبة كفرصة استثمارية كبيرة، فهي تجمع بين القيمة الاقتصادية، الفوائد الغذائية والاستدامة البيئية وتستحق أن تُستغل بشكل أوسع ضمن برامج التنمية الزراعية والصناعية في المنطقة.

جمال طبيعي ومردود اقتصادي واعد

إلى جانب فوائدها البيئية والاقتصادية تُضفي شجرة الخروب جمالاً طبيعياً على المكان. 

فهي دائمة الخضرة ويوفر منظرها المريح للنفس ظلاً كثيفاً ومنعشاً خاصة في فصل الصيف الحار وكأنك تزرع «ظلاً أخضراُ» في أرض عطشى.

الأجمل أن شجرة الخروب توفر مردوداً مادياً ممتازاً دون تكاليف تُذكر.

الوعد والمنى

من خلال رؤية حركة السودان الأخضر في التغيير الإيجابي الإنسيابي الإبداعي الأخضر  ومن ضمن مفاهيم التغيير بأن تتحول زراعة الخروب في كردفان وجبال النوبة إلى مشروع استراتيجي قومي ينهض بالإنسان والأرض معاً.

فهذه الشجرة ليست مجرد محصول زراعي بل مورد رئيسي قادر على أن يجعل هذه المناطق وجهة استثمارية وزراعية فريدة على مستوى السودان والعالم.

الوعد: 

أن تصبح جبال النوبة وسهول كردفان مركزاً لإنتاج الخروب وتصديره بما يفتح أبواب العمل للشباب والنساء ويخلق قيمة مضافة عبر الصناعات الغذائية والدوائية والتجميلية المرتبطة به.

والمنى: 

أن تخرج هذه الشجرة الطيبة أهلها من دائرة التهميش الاقتصادي، إلى فضاءات رحبة من الاكتفاء الذاتي والريادة العالمية في إنتاج غذاء عضوي صحي.

إنها رؤية تتجاوز حدود الزراعة التقليدية لتصنع نهضة خضراء تعيد الاعتبار للأرض والإنسان معاً وتُعيد الثقة في أن السودان قادر على أن يصوغ مستقبله بموارده الأصيلة. 

وأن يجعل من شجرة الخروب عنواناً للأمل والعطاء والرخاء.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *