الذكاء الاصطناعي والطب في السودان: فرص وتحديات

284
د. عصام صالح

• شهد العالم في العقدين الأخيرين ثورة هائلة في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي (AI)، حيث أصبح هذا المجال يدخل بقوة في جميع التخصصات الطبية. لم يعد الطب يعتمد فقط على مهارة الطبيب وسنوات خبرته الطويلة، بل أصبح يستفيد من قدرة الخوارزميات الذكية على تحليل ملايين البيانات الطبية بسرعة ودقة تفوق الإنسان في بعض الجوانب. من قراءة صور الأشعة إلى التنبؤ بانتشار الأوبئة، ومن تطوير أدوية جديدة إلى مساعدة الجراحين في العمليات الدقيقة، أصبح الذكاء الاصطناعي أداة لا غنى عنها.

أما في السودان، فرغم التحديات الكبيرة التي يواجهها القطاع الصحي من ضعف البنية التحتية وقلة الموارد، فإن الحديث عن الذكاء الاصطناعي لم يعد رفاهية. بل قد يكون فرصة ذهبية لتقليص الفجوة بين الاحتياجات الضخمة للمرضى والإمكانات المحدودة للمستشفيات.

الذكاء الاصطناعي في الطب عالميًا

في دول مثل الولايات المتحدة، بريطانيا، الصين، والهند، دخل الذكاء الاصطناعي في ممارسات الطب اليومية عبر عدة محاور:

1. تشخيص الصور الطبية

شركات مثل Google Health طورت خوارزميات تستطيع اكتشاف سرطان الثدي بدقة عالية من صور الماموجرام، وأحيانًا تتفوق على أطباء الأشعة أنفسهم.

برامج أخرى تساعد في اكتشاف النزيف الدماغي من الأشعة المقطعية خلال دقائق، مما ينقذ حياة مريض السكتة الدماغية.

2. التنبؤ بالأمراض المزمنة

عبر تحليل بيانات المرضى في ملفاتهم الإلكترونية، يستطيع الذكاء الاصطناعي التنبؤ باحتمالية إصابة شخص بالسكري أو أمراض القلب قبل سنوات من ظهور الأعراض.

3. الجراحة الروبوتية

في مراكز الجراحة المتقدمة تُستخدم أنظمة مثل Da Vinci التي تسمح للجراح بالقيام بعمليات دقيقة للغاية عبر أذرع روبوتية تتحكم فيها حواسيب ذكية.

4. اكتشاف الأدوية

بدلاً من أن يستغرق تطوير دواء جديد أكثر من 10 سنوات، أصبحت الخوارزميات تحلل ملايين الجزيئات خلال أيام لتحديد المركبات الأكثر فعالية ضد أمراض مثل السرطان أو الفيروسات.

5. المساعدة الإكلينيكية

برامج الذكاء الاصطناعي أصبحت تساعد الأطباء في كتابة الملاحظات الطبية، ترتيب المواعيد، وإعطاء توصيات علاجية أولية.

الوضع في السودان: التحديات والفرص

في السودان، يبدو المشهد مختلفًا كثيرًا. معظم المستشفيات تعاني من:

ضعف الأجهزة الحديثة (الأشعة المقطعية، الرنين المغناطيسي).

انقطاع الكهرباء والإنترنت المتكرر.

نقص حاد في الكوادر المدربة على استخدام الأنظمة الرقمية.

لكن رغم ذلك، توجد فرص مهمة:

1. التشخيص عن بُعد

في المناطق الريفية حيث لا يوجد طبيب أشعة أو قلب، يمكن رفع صور الأشعة أو تخطيط القلب عبر الإنترنت لتتم معالجتها بخوارزميات AI، ثم تُرسل النتيجة للطبيب المحلي. هذا يقلل من الحاجة لإرسال المريض للعاصمة.

2. التعليم الطبي

يمكن لطلاب الطب في الجامعات السودانية أن يتدربوا على برامج الذكاء الاصطناعي التي تحاكي التشخيص أو تعرض حالات افتراضية، مما يعوض النقص في الحالات السريرية المتنوعة.

3. التنبؤ بالأوبئة

عبر تحليل بيانات من المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية، يمكن أن يساهم الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بانتشار أمراض مثل الكوليرا أو الملاريا، وبالتالي تجهيز الموارد مسبقًا.

أمثلة واقعية مرتبطة بالسودانيين

1. تجربة طبيب سوداني في بريطانيا

أحد أطباء الأشعة السودانيين العاملين في NHS في بريطانيا ذكر أنه يستخدم نظامًا مدعومًا بالذكاء الاصطناعي لقراءة الأشعة المقطعية للصدر. هذا النظام يرصد تلقائيًا العقيدات الرئوية الصغيرة جدًا التي قد تشير لسرطان مبكر. يقول الطبيب: «في بعض الحالات التي كنت سأعتبرها طبيعية، نبهني النظام لوجود عقيدات دقيقة جداً، وبعد الفحوصات اتضح أنها أورام في مرحلة مبكرة، وهذا أنقذ حياة المرضى.»

2. مبادرات شبابية في السودان

بعض طلاب كليات الهندسة والطب في جامعة الخرطوم وجامعة السودان عملوا على تطبيقات بسيطة للهاتف تساعد في التشخيص الأولي لأمراض مثل الملاريا أو سوء التغذية بالاعتماد على صور تُرفع للتطبيق. ورغم بساطة الفكرة وضعف التمويل، إلا أنها تبين الإمكانات الكامنة.

3. مقارنة مع إفريقيا

في كينيا، جرى إطلاق برنامج يستخدم الذكاء الاصطناعي في الكشف المبكر عن اعتلال الشبكية السكري عبر صور العين في العيادات الريفية. هذه التجربة يمكن أن تكون نموذجًا يحتذى به في السودان خاصة مع ارتفاع معدلات السكري.

المخاطر والتحديات الأخلاقية

رغم الفرص الكبيرة، إلا أن إدخال الذكاء الاصطناعي في الطب يواجه عدة تحديات:

1. الخصوصية: بيانات المرضى الطبية حساسة جدًا. في حال لم تكن هناك سياسات قوية لحمايتها فقد تتسرب وتُستغل بشكل غير قانوني.

2. الاعتماد الزائد على التقنية: الخطر أن ينشغل الأطباء بالاعتماد على الآلة أكثر من حكمهم الإكلينيكي، مما قد يؤدي إلى أخطاء.

3. الفجوة الرقمية: قد يؤدي الذكاء الاصطناعي لزيادة الفجوة بين المدن الكبيرة (الخرطوم، مدني) والريف حيث لا توجد كهرباء أو إنترنت كافٍ.

4. التكلفة: الأجهزة والبرامج تحتاج تمويلاً كبيرًا، والسودان يعاني اقتصاديًا.

دور الأطباء السودانيين في المهجر

يوجد آلاف الأطباء السودانيين في بريطانيا، الخليج، وأوروبا يعملون يوميًا مع أنظمة الذكاء الاصطناعي. هؤلاء الأطباء يمثلون فرصة ضخمة لنقل الخبرة إلى السودان عبر:

تنظيم ورش تدريبية عبر الإنترنت لطلاب الطب و الأطباء.  توجد جمعيات مثل جمعية الرعاية الأولية للأطباء السودانيين ببريطانيا SBPCA

و  أخرى مثل رابطة خريجي كلية الطب بجامعة كردفان يبدون اهتماما بهذا المجال حاليا..

إدخال برامج مفتوحة المصدر يمكن استخدامها مجانًا في المستشفيات.

التعاون مع الجامعات السودانية لتطوير أبحاث مشتركة في الذكاء الاصطناعي الطبي.

خاتمة

الذكاء الاصطناعي لم يعد مستقبلًا بعيدًا، بل أصبح واقعًا يغير وجه الطب يومًا بعد يوم. بالنسبة للسودان، ورغم الصعوبات الاقتصادية والتقنية، فإن استثمارًا بسيطًا في هذا المجال قد يحدث نقلة نوعية في الخدمات الصحية. من التشخيص عن بُعد إلى تدريب الطلاب، ومن التنبؤ بالأوبئة إلى تحسين جودة التشخيص، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون جسرًا بين الاحتياجات الضخمة والإمكانات المحدودة.

لكن النجاح في ذلك يتطلب رؤية وطنية واضحة، تشارك فيها الجامعات، الأطباء داخل السودان وخارجه، والجمعيات المهنية مثل جمعية أطباء الرعاية الأولية السودانيين في بريطانيا لتقديم الدعم والخبرة. فإذا أحسن السودان استغلال هذه الفرصة، فقد يتحول الذكاء الاصطناعي من رفاهية مستحيلة إلى أداة إنقاذ حقيقية لآلاف المرضى.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *