الذئاب تأكل بعضها… الانقسام الذي يلتهم المليشيا من الداخل

38
لؤي إسماعيل مجذوب 2

لؤي إسماعيل مجذوب

ضابط سابق - باحث في شؤون الأمن الوطني والحرب النفسية

من السجون السرية إلى الاغتيالات الخفية… المليشيا تحول بنادقها نحو صدور قاداتها 

• بينما تتواصل الضربات المحكمة التي ينفذها الجيش السوداني على مختلف المحاور، تكشف الجبهات عن مشهد آخر لا يقل أهمية عن الانتصارات الميدانية: المليشيا نفسها تنهار من الداخل. فالتصدعات العميقة التي حاولت إخفاءها لم تعد سرّاً، بل خرجت إلى العلن عبر تسجيلات وشهادات من قادتها، لتؤكد أن الخطر الأكبر على هذه التشكيلات المسلحة يأتي من داخل صفوفها قبل أن يأتي من خارجها.

لم يعد الانهيار داخل المليشيا مجرد توقع أو قراءة استخبارية، بل تحول إلى واقع يطفو على السطح يوماً بعد يوم، حتى على ألسنة قادتها. التسجيل الصوتي الأخير لقائد ميداني يطلق على نفسه «الذئب الأبيض»، كان بمثابة شهادة حية على حجم التصدع: المليشيا لم تعد جسداً واحداً، بل تحولت إلى جزر متناحرة، لكل منها سجونه واستخباراته وأجندته الخاصة.

القائد الميداني الذي يتولى قيادة قوات المشاة، وجد نفسه فجأة مسجوناً في زنزانة مجهولة لا تتبع حتى لقيادة الدعم السريع. لا تهوية، لا محاكمة، لا قانون… مجرد قرار من مجموعة مسلحة داخلية قررت أن تصفي حساباتها معه بعيداً عن أي سلطة مركزية.

هذه الواقعة ليست معزولة، بل تكشف عن حقائق أعمق:

كل مجموعة داخل المليشيا باتت دولة قائمة بذاتها، تملك قرارها الأمني والعملياتي بعيداً عن القيادة.

التكتلات والاغتيالات والمؤامرات أصبحت واقعاً يومياً، يسبق حتى المواجهة مع الجيش.

انعدام الثقة بين القادة والمقاتلين وصل مرحلة تهدد بانفجار صراع داخلي شامل.

في علم الحرب النفسية، هذه اللحظة هي ذروة الضعف لأي عدو؛ حين يوجه جهده الأكبر ضد نفسه، وحين يصبح الشك والخوف هما القائد الفعلي للميدان. ومع ازدياد الاعتقالات السرية، واتهام القادة بالخيانة أو العمالة، فإن كل يوم يمر يقرب المليشيا أكثر نحو الانهيار الذاتي.

عسكرياً، هذا التفكك يعكس انهيار السيطرة المركزية وفقدان الانضباط، ما يجعل أي ضربة ميدانية ذات أثر مضاعف. ونفسياً، فإن كشف هذه الحقائق وتداولها يزرع الريبة في صفوفهم، ويغذي انعدام الثقة، ويدفعهم لتوجيه أسلحتهم إلى صدور بعضهم قبل أن تصل إلى جبهات القتال.

رسالة مباشرة لمقاتلي المليشيا:

حين يصبح قائدك سجّانك، وحين تُزج في زنزانة بقرار شخصي من رفيق السلاح، فأنت لا تقاتل في جيش… بل في فوضى. تذكروا أن الذئاب حين تجوع، لا تبحث عن فريسة بعيدة… بل تبدأ بأقرب ذئب يقف بجوارها.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *