• ما أجدر بنا أن نلقي عصانا حيناً من الدهر.. ونعيد النظر في الكثير من أمور حياتنا، عاداتنا وتقاليدنا، وكل معاملاتنا مع الناس في حياتنا الدنيا.
نقول هذا لأن الدين أصلاً المعاملة، وليس مجرد مظاهر عبادات تؤدى ولا تنعكس على سلوك الفرد وتعامله من الناس في كل أمور الحياة، نحن كشعب سوداني متدينون والحمد لله، حريصون على أداء عباداتنا إيماناِ واحتساباً لوجه الله الكريم، ولكن بالمقابل نجد الكثيرين منا سلوكهم في الحياة وتعاملهم مع الناس والمجتمع مغايراً لما ينبغي أن تكون عليه التقوى وحسن الخلق والصلاح، تجد الواحد منا يؤدي العبادة بكل حرص وخشوع، وفي الوقت نفسه تجده مخاصماً ومشاحناً لأخيه المسلم وحتي من رحمه، يقاطعه ويهجره ليس لثلاث ليالٍ وإنما سنين عددا والعياذ بالله.
وإذا نظرت إلى معاملات الجيران ترى العجب العجاب، مع أن الدين أكثر من الوصاية بالجار، وشدد عليها لحد الظن بأن كاد أن يجعل له نصيباً في الميراث، وفي الحديث الصحيح للمصطفى (ص) أنه قال: والله لا يؤمن- وكررها ثلاث مرات- قيل من يا رسول الله، قال الذي لا يأمن جاره بوائقه)، وفي رواية لمسلم (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه). وهذا لعمري تهديد ووعيد شديد لمن يؤذي جاره ولا يحفظ حقوقه.
وفي الحديث أيضاً أن رسولنا (ص) أقسم على ثلاث وأوصي أصحابه بأن يحفظوها، وهي: ما نقص مال عبد من صدقة، مازاد الله بعبد عفواً إلا عزاِ، والثالثة ما تواضع لله أحد إلا رفعه، ثلاث وصايا أقسم عليها تلخص ما ينبغي أن يكون عليه المسلم في معاملات حياته مع الناس، فالصدقات لا تنقص من المال شيئاً ولو أنفقه كله خالصاً لوجه الله، وتمثل دعوة لمساعدة الفقراء والمحتاجين مما أنعم الله على العباد، وتبقى وصية العفو عن الناس والصبر على المظالم دعوة للتسامح والتعايش بسلام مع الناس، ما أحوجنا إليها في هذا الزمان الذي كثرت فيه المظالم وهضم الحقوق، لتكون الجائزة عزاً من الله، ويا لها من جائزه سينالها العبد في دنياه وآخرته يوم يلقى ربه، وآخر الوصايا النهي عن الغرور والتكبر على الناس، فالكبر هو بطر الحق وقمط الناس، والكبرياء لا تكون إلا لله وحده، وفي الحديث القدسي لله عز وجل (الكبرياء ردائي والعزة إزاري، فمن نازعني فيهما أذقته وبالي ولا أبالي).
وفي رواية أخرى (أدخلته النار ولا أبالي)، وعليه فعلى العبد أن لا يتكبر ويتعالى على الناس من مال أو جاه أو سلطان، يبطر الحق، ويقمط الناس، وينازع ربه في كبريائه وعزته، وكلما تواضع العبد لله رفعه في أعين الناس، وزاد من قدره بينهم، ولماذا يختال البعض من الناس، أو يمشي في الأرض مرحاً.. وهو لن يخرق الأرض أو يبلغ الجبال طولاً، ولماذا يستعبد الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.
نخلص من كل هذا ونكرر أن أساس الدين المعاملة، وهو سلوك حياة متكامل، وبهذا لا بدّ أن تقترن العبادة بسلوك الفرد ومعاملته للناس في الحياة، حتى لا يبدو وكأنه يعاني من انفصام شخصية، شخصية يؤدي بها العبادات بكل روح إيمانية عالية، بينما الأخرى مختلفة تماماً، يتعامل بها مع الناس والمجتمع، لا تتفق وتتسق مع الدين وتعاليمه الحنيفة.