الدولة والحكومة فروقات قانونية 2-2

97
د. نصر الدين ابوشيبة

د. نصر الدين أبوشيبة

قانوني أكاديمي

• ولعله من المفيد هنا ان نذكر ان المادة (4) من الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية قد نصت على طبيعة الدولة السودانية فقد جاء فيها: 1- جمهورية السودان دولة مستقلة ذات سيادة ديمقراطية برلمانية تعددية لا مركزية تقوم الحقوق والواجبات على أساس المواطنة دون تمييز بسبب العرق، أو الدين أو الثقافة او الجنس أو اللون أو النوع أو الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي أو الرأي السياسي، أو الإعادة، أو الانتماء الجهوي، او غيرها من الأسباب. 2- تلتزم الدولة باحترام الكرامة الإنسانية والتنوع وتؤسس على العدالة والمساواة وكفالة حقوق الانسان وحرياته الأساسية والحكومة في الدولة السودانية وفقاً لما جاء في المادة (10) من الوثيقة المذكورة تتكون من الأجهزة التالية:

مجلس السيادة وهو راس الدولة ورمز سيادتها ووحدتها 

مجلس الوزراء وهو السلطة التنفيذية العليا للدولة 

المجلس التشريعي الانتقالي وهو سلطة التشريع والرقابة على أداء الجهاز التنفيذي

وقد حددت ذات الوثيقة في المادة (7) منها الفقرة (1) ان مدة الفترة الانتقالية تسعة وثلاثون شهراً ميلادياً تسري من تاريخ التوقيع على هذه ال هذه الوثيقة الدستورية وهذا التاريخ هو تاريخ نهاية الحكومة الانتقالية. (ايراد هذا النص هنا للتدليل فقط على ان الحكومة ليست دائمة مثل الدولة وانما لها أجل مؤقت تنتهي عنده)

ثانياً: التمييز بين الدولة والحكومة على اساس السيادة والتمثيل: الدولة هي التي تمارس السيادة التي هي تجسيدٌ لإرادة الشعب فالمادة () من الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية جعلت السيادة للشعب والدولة تمارسها طبقاً لنصوص هذه الوثيقة الدستورية). الحكومة وإن كانت تمارس صلاحيات سيادية إلا انها لا تملك السيادة ذاتها فهي تمارسها بالوكالة عن الدولة فهذا التمييز مهمٌ في تحديد مسؤوليات الحكومة وحدود صلاحياتها. والدولة هي الطرف في المعاهدات الدولية وهي التي تملك السيادة القانونية والاعتراف الدولي حتى في حال غياب حكومة مستقرة تدير شؤون الدولة الداخلية تظل الدولة قائمة فوجود الدولة غبر مرتبط بوجود الحكومة وأما الحكومة فهي تمثّل الدولة في ممارسة الوظائف الإدارية والتنفيذية، وتعمل بالنيابة عنها، ولكنها لا تملك وحدها شرعية الدولة أو سيادتها وعليه يمكن القول ان وجود الحكومة مرهون بوجود الدولة.

ثانياً: التمييز بين الدولة والحكومة على اساس المساءلة القانونية: الدولة بصفتها الشخصية الاعتبارية، تتحمل المسؤولية القانونية عن تصرفات أجهزتها المختلفة بما في ذلك الحكومة بمعنى آخر أن القرارات والإجراءات التي تتخذها الحكومة تنسب في النهاية إلى الدولة ومع ذلك يمكن للحكومة أو أفرادها أن يتحملوا مسؤولية سياسية أو جنائية أو مدنية عن تجاوزات أو إخفاقات وقعت منهم في سياق عملهم الرسمي بصفتهم موظفين رسميين في الحكومة. 

ثالثاً: التمييز بين الدولة والحكومة على اساس الدستور والقوانين: الدستور هو الذي يحدد شكل الدولة هل هي جمهورية أم برلمانية أو ملكية أم غير ذلك من الاشكال ويحدد كذلك نظام الحكم والحقوق والواجبات. والدستور كما هو معروف هو الوثيقة الأساسية التي تُنظم العلاقة بين الدولة ومؤسساتها ويحدد صلاحيات السلطات في الدولة (السلطة القضائية والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية).

أما القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية في الدولة فإنها تحدد صلاحيات الحكومة وتُنظم عمل الوزارات والهيئات التنفيذية. ويمكن ان نلخص هذا العنصر المميز في أن الدستور هو قانون الدولة الذي يبين شكل الدولة والسلطات الموجودة فيها والحقوق والواجبات. وأما القوانين فهي عبارة عن أدوات لتنظيم عمل الحكومة وتهدف في النهاية للحفاظ على كيان الدولة من التفتت أو الانقسام ولعله من المفيد هنا ان المشرع السوداني سعى من خلال القانوني الجنائي لسنة 1991 إلى الحفاظ على كيان الدولة حيث جرم في المادة (50) تقويض النظام الدستوري وجرم في المادة (51) اثارة الحرب ضد الدولة.س

رابعاً: التمييز بين الدولة والحكومة على اساس الرمزية والهوية: الدولة هي رمز للهوية الوطنية والوحدة. العلم الوطني النشيد الوطني، وشعار الدولة هي رموز للدولة ككل، وليست للحكومة بعينها. الحكومة كما ذكرنا سابقاً هي مؤقتة وقابلة للتغيير بينما هذه الرموز تظل ثابتة لتمثل استمرارية الدولة في ظل أي حكومة.

إن فهم الفروقات القانونية بين الدولة والحكومة ليس مجرد نقاش وجدل أكاديمي ليس له فائدة  بل هو نقاش ضروري لترسيخ مبادئ الحكم الرشيد  والتداول السلمي للسلطة والفصل بين السلطات ومساءلة الأجهزة التنفيذية في الدولة وإدراك هذا التمايز بين الدولة والحكومة يساهم في بناء نظام ودستوري وقانوني متين وراسخ في الدولة  يقوم على حماية الحقوق وضمان استقرار المؤسسات  سيادة مبادئ دولة القانون مما يكون له مردود ايجابي يؤدي إلى تعزيز الروح الوطنية وحب الوطن لدى افراد الشعب بغض النظر عن رأي الفرد في الحكومة التي تدير شؤون البلاد فيقدم الدولة على الحكومة  فيصبح المساس بالدولة بأي شكل من الاشكال خطاً أحمر لا يجوز الاقتراب منه  لذا نجد انه من الضروري السعي  من خلال منهاج التعليم في مختلف المراحل التعليمية ووسائل الاعلام المختلفة إلى رفع الوعي القانوني والفكري بحدود الفروقات بين الدولة والحكومة والعمل على ألا يتم اختزال الدولة كاملة في شخص الحاكم أو الحزب أو الحكومة القائمة.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *