
د. نصر الدين أبوشيبة الخليل
قانوني أكاديمي
• الأمر الذي دفعني للكتابة في هذا الموضوع، هو أنني من خلال متابعتي لبعض مواقع التواصل الاجتماعي، وجدت أن كثيراً من الأشخاص لا يفرقون بين الدولة والحكومة، ووجدت أن منهم من يعارض الدولة وهو يحسب أنه يعارض الحكومة، ووجدت آخرين يجعلون معارضة الحكومة هي معارضة للدولة. فرأيت من خلال هذا المقال إبراز الفروق القانونية بين الدولة والحكومة، وذلك حتى يسهل التمييز بينهما.
فالدولة هي كيان سياسي ذو سيادة، يتمتع بوجود دائم ومستقل عن الأشخاص الذين يديرون شؤونها في وقت معيّن: وللدولة أركان وفقاً للفقه الدستوري تقوم عليها، هي:
الشعب: وهو مجموعة الأفراد الذين يعيشون على إقليم الدولة ويخضعون لسلطتها.
الإقليم: وهو المساحة الجغرافية المحددة التي تمارس الدولة سيادتها عليها، وتشمل اليابسة، المياه الإقليمية، والمجال الجوي.
السلطة السياسية: وهي التنظيم الذي يمارس السيادة على الشعب والإقليم، ويضع القوانين وينفذها.
وحسب تعريف ويكيبيديا – (الويكيبيديا هي مشروع موسوعة حرة يستطيع الجميع تحريرها). الدولة هي مجموعة من الأفراد يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد، ويخضعون لنظام سياسي معيّن، متفق عليه فيما بينهم، يتولى شؤون الدولة. وتشرف الدولة على أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية، والتي تهدف إلى تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة الأفراد فيها.
وبالرجوع لكل دساتير السودان السابقة من وثيقة الدستور السوداني المؤقت لسنة 1956م، وحتى الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لسنة 2019م السارية الآن، نجد أنها اتفقت جميعها على أن السودان دولة مستقلة ذات سيادة، تقوم على سيادة حكم القانون، واحترام التعدد والتنوع الثقافي والعرقي بموجب هذه الوثائق الدستورية. فالدولة السودانية – مثلاً – لا تتغير بتغير الحكومات أو الأنظمة، فهي الكيان الذي يحتفظ بالشخصية القانونية الدولية، ويمثل الشعب السوداني بمختلف أطيافه ومكوناته. والدولة بالمعنى المذكور تشكل الكيان الأصل الذي تستمِد منه الحكومة شرعيتها. ووجود الدولة مفترض فيه الاستمرار والديمومة، حتى لو تغيرت الحكومات أو الأنظمة السياسية فيها، فالدولة هي عبارة عن تجسيد لمجموعة من القيم الدستورية والقانونية التي تحدد شكل الحكم، والحقوق، والواجبات.
وفي النظام الدستوري السوداني، نجد أن الدولة هي الكيان السيادي الذي يجسد الإرادة الجماعية للشعب السوداني، فالأصل في النظام الدستوري السوداني أن السيادة للشعب، والدولة تمارسها طبقاً لما هو منصوص عليه في تلك الأنظمة، وتتمتع الدولة بالشخصية الاعتبارية، التي تمكنها من إبرام المعاهدات الدولية، والقيام بالتصرفات القانونية.
أما الحكومة فهي الجهاز أو مجموعة المؤسسات والأفراد الذين يتولون إدارة شؤون الدولة في فترة زمنية محددة. وهي السلطة التنفيذية التي تتولى إدارة شؤون الدولة وفقاً للدستور والقوانين النافذة، وهي تعدّ بمثابة الممثل للدولة في الداخل والخارج، وتمارس الصلاحيات التي يخولها إياها الدستور والقانون. ومن أهم الواجبات التي تقوم بها الحكومة نذكر ما يلي:
أولاً: وضع السياسات العامة: تضع الحكومة السياسات العامة والخطط الاستراتيجية المتعلقة بإدارة الشأن العام في جوانبه المختلفة، بما يتفق مع الأهداف المنصوص عليها في الدستور والقانون.
ثانياً: تنفيذ القوانين: أهم واجبات الحكومة القيام على أمر تنفيذ القوانين، التي تسنها السلطة التشريعية في الدولة، وذلك عبر أجهزتها المختلفة، كل جهاز ينفذ ما يليه من قوانين ذات علاقة بعمله.
ثالثاً: إدارة الشؤون اليومية للدولة: بما في ذلك الخدمات العامة مثل التعليم والعلاج وغير ذلك من الخدمات. وكذلك تتولى الحكومة أمر تنظيم الجانب الأمني في الدولة، وإدارة الاقتصاد والعلاقات الخارجية.
ومما تقدم نجد أن الحكومة تختلف عن الدولة، فهي لا تتمتع بصفة الديمومة، بل هي كيانٌ مؤقت لمدة زمنية محددة ومتغير بطبيعته. وهنا نشير إلى أن هناك عدة أسباب تؤدي إلى تغير الحكومات، نذكر منها:
1- انتهاء المدة الزمنية للحكومة إذا كانت منتخبة لفترة زمنية محددة، أو
2- صدور قرار بإقالة الحكومة من السلطة المختصة في الدولة، وغالباً ما تكون بسحب الثقة منها بواسطة السلطة التشريعية في الدولة، أو من رئيس الدولة حسب النظام السياسي في الدولة، أو
3- تقديم الحكومة استقالتها، أو
4- حدوث انقلاب عسكري عليها كما هو واضح في الحالة السودانية كما حدث في 1958 و1969 1989. أو
5- التغيرات السياسية التي تحدث في الدولة كحدوث الثورات، كما هو واضح في الحالة السودانية، حيث تم تغيير ثلاث حكومات بثورات شعبية في عام 1964 و1985 و2019.
ويتجلى التمييز بين الدولة السودانية والحكومة بوضوح في نصوص الدساتير السودانية المتعاقبة منذ وثيقة دستور السودان المؤقت لسنة 1956، وحتى الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لسنة 2019 السارية حالياً. وكذلك يظهر التمييز من خلال نصوص القوانين المطبقة في الدولة. ومن أهم مظاهر التمييز بين الدولة والحكومة ما يلي:
أولاً: التمييز بين الدولة والحكومة على أساس الوجود والاستمرارية: القانون السوداني كمعظم الأنظمة القانونية، يؤسس لوجود دائم للدولة السودانية. بينما يتناول وجود الحكومة كوظيفة أو إدارة قابلة للتغيير، فالدستور على سبيل المثال يحدد شكل الدولة (جمهورية، اتحادية، إلخ)، ويُعلي من شأن مبادئها الأساسية، بينما تتناول القوانين الفرعية صلاحيات الوزراء والهيئات الحكومية، والتفاصيل المتعلقة بعمل الحكومة اليومي.
شارك المقال