البراء بشير

البراء بشير

كاتب صحفي

• هل كنت يوماً بصدد الحديث عن أمر ما فوجدت أحدهم يتناول منك الحديث، ويطنب في تفصيل الأمر بلا علم ولا دراية، ولكن ثقته تجعل السامع يظنه عالماً بما يقول؟

أو كنت تناقش أحداً في موضوع معيّن، ثم أتاكما شخص ثالث وجادلكما في أمركما بلا علم، وصار يُخَّطِئ هذا ويُصَّحِح هذا بكل ثقة. أو ربما تكون سألت شخصاً ما عن شيءٍ وردّ عليك وأطال في رده، ولكن يبدو عليه عدم العلم، وتبدو على حديثه السطحية، بل ربما يكون محض هراء. 

إن جميع الأمثلة السابقة للأشخاص المذكورين تندرج تحت لفظ (الشخص الخنفشاري). 

وهذه الكلمةُ غريبةُ النطق كلمةٌ مستحدثة، لم تكن لها دلالة ولا معنى، صيغت لوصف التعاظم والفتوى بغير علم، ثم جرى استعمالها على لسان الناس، وأصبحت تحمل هذه الدلالة. 

وقد ذكر  قصتها أبو العباس أحمد بن محمد المقري التلمساني في كتابه (نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب)، وفحوى القصة أن رجلاً كان يفتي كل سائلٍ يسأله في أي شيءٍ بلا علم، فلحظ أقرانه وجلساؤه ذلك منه فقرروا امتحانه، وذلك بنحت كلمةٍ لا أصل لها ثم سؤاله عنها، وكان على كل واحدٍ منهم أن يختار حرفاً واحداً، ثم تجمع الحروف وتصاغ منها الكلمة المتفق عليها، فاختار أحدهم الخاء والآخر النون وهكذا إلى أن صيغت كلمة الخنفشار، فأتوا صاحبهم وسألوه: ما الخنفشار؟

فأجاب كعادته: الخنفشار نبات طيب ينمو بأطراف اليمن، إذا أكلته الإبل عقد لبنها. ثم صار يسترسل في حديثه حتى ارتجل بيتاً شعرياً للاستدلال به، ونسبه لأحد شعراء اليمن، فقال: قال الشاعر اليماني: 

لقد عقدت محبتكم فؤادي * كما عقد الحليبَ الخنفشارُ 

وتوالت أمثلة الاستدلال عن أمر الخنفشار على لسانه، فذكر لهم قولاً لداؤود الأنطاكي، وصار يعدد قال فلان وقال فلان، إلى أن وصل به الأمر أن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاستوقفوه وقالوا: كذبت على هؤلاء فلا تكذب على النبي صلى الله عليه وسلم. 

ومنذ ذلك الحين أصبح الناس يسمّون كل من يفتي وهو لا يدري خنفشارياً -نسبة إلى خنفشار- وأحياناً تطلق على من يأتي بأفكارٍ غريبة غير معتادة. 

وقد وصف الأديب مصطفى لطفي المنفلوطي الأشخاص الخنفشاريين بأنهم «أشخاصٌ يتحدثون بلسان ناعم، ويقدمون أفكاراً غير معقولة، ويظهرون كأنهم يفهمون كل شيء، وكذلك لهم القدرة على التحدث عن أي أمر بطلاقة وسلاسة كأنهم يمتلكون المعرفة.

واليوم بعد اتساع مساحات التعبير وتعددها، صار الخنفشاريون يبادرون بطرح أفكارهم وإبداء آرائهم في أمر العامة وتحليل أفكار غيرهم بلا سؤالٍ من أحد، وبالطبع بدون علمٍ أو فهم لما يتكلمون عنه».

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *