الخرطوم بين الأمس واليوم والغد 

46
د. خالد مصطفى

د. خالد مصطفى إسماعيل

كاتب صحفي

• كانت الخرطوم عامرة بالحياة والحيوية، كانت قلب السودان النابض، وعاصمته الفريدة بموقعها المتميز، في ملتقى النيلين، تحتضن النيلين كلاً بمفرده، قبل أن يلتقيا  عندها ويجتمعا ليصبحا نيلاً واحداً، ومن هنا يسمى نهر النيل العظيم (سليل الفراديس).

كانت الخرطوم ملهمة الشعراء والفنانين والمبدعين، وحاضرة في أغنياتهم وأشعارهم؛

ونستذكر هنا بعض الأغنيات التي غُنيت للخرطوم؛ 

فكم طربنا للفنان سيد خليفة وهو يشدو:

لا هذه ولا تلك 

ولا الدنيا بما فيها 

تساوي ملتقى النيلين 

في الخرطوم يا سمرا

هنا وصل بنا سيد الخليفة إلى منتهى العشق، فلا شيء يعدل الخرطوم أو يساويها قط. وهذا حكم نهائي. 

وكم طربنا ونحن نسمع لعدد من الفنانين يغنون: 

يا جمال النيل… والخرطوم بالليل

يا راضعة من نيلين حضنوك من أزمان

ضمخ شذى الياسمين والورد والريحان

عشاق سمر بالليل سحرم جمال النيل

أجمل ليالي هنا

لما القمر يظهر

والونسة تبقى غنا والغنية تتنقل

ونفوت على أمدرمان 

وهناك نكون أجمل 

لو بس تطول ياليل وتزيد جمال النيل

ونعود لسيد خليفة أكثر العاشقين للخرطوم والمغنين لها، لنردد معه:

يا الخرطوم يا العندي جمالك  جنة رضوان 

طول عمري ما شفت مثالك 

في أي مكان 

ونزور الشاعر المرهف محجوب شريف، لنسمعه وهو يترنم برائعته: 

غني يا خرطوم غني

وشدي أوتار المغني 

ضوي من جبهة شهيدك 

أمسياتك واطمئني

وها هو الفنان الكابلي يغني للخرطوم فيطربنا: 

زانت أرضها،، وأصبح بعضها 

ينافس بعضها،،  

زانت أرضها ألوان الزهور،، 

وكست روضها،، أسراب الطيور 

وغمرت جوّها.. أنفاس من عطور 

وغيرهم، وغيرهم من الفنانين والشعراء الذين غنوا للخرطوم، وأعجبوا بها إعجاباً شديداً، وهي تستحق ذلك وأكثر. 

ما دعاني لكتابة هذه الخواطر  هو مروري بالخرطوم في طريقي إلى بورتسودان، بعد ما يقارب ال٣ سنوات من الغياب، سنوات الحرب، وقد هالني ما رأيت من مناظر، دمار وخراب يدل على أن هناك عنفاً شديداً قد مورس هنا. وجدت الخرطوم تكاد تكون خالية من السكان تقريباً، خاصة من الجهة التي كانت في خط سيرنا.. 

القليل جداً من السكان موزعين هنا وهناك، والشوارع فارغة إلا من حطام السيارات المكسّرة والمحطمة والمحروقة، وهي المدينة التي كانت تضج بالناس والحياة ولا تنام. 

لم يسرني هذا  الحال وأنا ابن الأقاليم الذي قضى فترة طويلة من عمره بالعاصمة، ولها أفضال عليَّ، وعلى غيري. فقد قضيت في الخرطوم عمراً، ودرست في الخرطوم وفي جامعتها، ولي فيها ذكريات وأصدقاء وإخوان وأهل وزملاء. 

حزنت لما آل إليه حال الخرطوم، ولكني مؤمن بأنها ستنهض من تحت الرماد، وستصبح أفضل مما كان،

دعونا نطرد اليأس، ونحلم من جديد بوطن أجمل، ووضع أفضل، وتعالوا نغني لسه للخرطوم، ولكل مدن السودان. والسلام.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *