محمد المهدي الأمين
مستشار التحرير وكاتب صحفي
• الحجاج بن يوسف شخصية مثيرة للجدل، وعلى رغم مرور قرون على وفاته إلا أن قصصه لا تزال متداولة بين الناس إلى يومنا هذا، هو من أعلام الدولة الأموية ومثبت أركانها، وموجّه الجيوش إلى إخماد الثورات وفتح الأمصار، لكنه اشتهر بضرب الرقاب والإسراف في سفك الدماء، مع خدمات جليلة قدمها للغة العربية وهو حافظ القرآن ومعلم الصبيان قبل أن يلتحق بخدمة السلطان. والحجاج بن يوسف مثل المتنبي فقد ملأ الدنيا وشغل الناس وما زال.
* جاء في كتاب (تاريخ دمشق)، لابن عساكر. أن الحجاج أمر بالقبض على رجل، فلم يجده العسكر في داره فقبضوا على أخيه! فقال المقبوض عليه: أنا مظلومٌ، فقال قائد العسكر: بحثنا عن أخيك فلم نجده، فأخذناك. فقال المقبوض عليه: دعوني أكلم الأمير. فلما مثل الرجل بين يدي الحجاج قال: أصلح الله الأمير، إنَّ هؤلاء أرادوا أخي فلم يجدوه، فأخذوني، وهدموا داري، ومنعوا عطائي من بيت المال. فقال له الحجاج ألم تسمع قول الشاعر:
جَانيكَ من يجني عليكَ ورُبَمَا
تُعدي الصِحَاحَ مَبَارِكُ الجُرْبِ
ولَرُبَ مَأخوذٍ بِذنبِ عَشيرةٍ
ونَجَا المُقَارِفُ صَاحِبُ الذَنْبِ
فقال الرجل: لكنَّ الله عز وجل يقول غير ذلك! قال الحجاج: وماذا يقول الله عز وجل؟ قال الرجل: ﴿قَالُوا يا أَيُّهَا العزِيزُ إِنَّ له أبًا شَيخًا كبِيرًا فَخُذْ أَحدنا مكانه إِنا نراك من الْمُحسِنِينَ* قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذًا لَّظَالِمُونَ﴾. فأطرق الحجاج، وقال لصاحب الشرطة:
فكّ قيد هذا الرجل، وابنِ له داره، ومُرْ له بعطاء، ومُرْ منادياً ينادي: صدق الله وكذب الشاعر.
* كما روي أنّ أبا عمرو بن العلاء كان يقرأ قوله تعالى: (إلا من اغترف غَرفة بيده) بفتح (الغين) بدلاً من الضم (غُرفة)، فأحضره، الحجاج، وقال: ما حجتك في قراءتها بالفتح؟ قال: أمهلني أيها الأمير.
قال: أمهلتك شهراً، فإن لم تأتني بحُجّة ضربت عنقك. فوكل به الحجاج من يسير معه في أحياء العرب، لكنَّ أبا عمرو لم يجد حجة إلى أن انقضى الشهر، فردّ على الحجاج، وفي أثناء الطريق إذ إعرابي يسوق إبلاً له وينشد:
صَبّر النفس عند كل ملمٍّ… إن في الصبر حيلة المحتال
لا تضيقنَّ بالأمور فقد تكشف… غمّاؤها بغير احتيال
ربما تجزع النفوس من الأمر… له فَرجة كحلِّ العِقال
فقال له أبو عمرو: ما وجه الفتح في فَرجة؟ فقال الأعرابي: كلما أتى على وزن (فعلة) لنا فيه ثلاث لغات، ففرح أبو عمرو بوجود الحجة لقراءته، ثم قال له: ما سبب إنشادك هذه الأبيات؟ قال: إنه قد بلغنا نعي الحجاج، وكنَّا متخوفين منه
فقال أبو عمرو: والله ما أدري بأيتهما أفرح، بموت الحجاج، أم بوجود الحُجَّة على قراءتي ومذهبي؟!
* خرج الحجاج متصيداً، فمرّ بأعرابي فسأله: كيف سيرة الحجاج فيكم؟ فأجابه الأعرابي: ظلوم غشوم لا حيّاه الله ولا بيّاه. قال له: فلو شكوتموه إلى أمير المؤمنين عبد الملك؟
فقال الأعرابي: هو والله أظلم منه وأغشم، فعليه لعنة الله. فغضب الحجاج من كلام الأعرابي وسأله: أما تدري من أنا؟ قال: وما عسيتَ أن تكون؟ فأجابه: أنا الحجاج. فاستعجل الأعرابي بقوله: أتدري من أنا؟ قال الحجاج: لا، من أنت؟ قال: مولى بني أبي ثور أجنُّ مرتين من الشهر وهذه إحداهما، فضحك الحجاج وانصرف عنه.
شارك المقال
