الجد شعبان .. محمود الصبّاغ

267
الجد شعبان
Picture of بقلم : زين العابدين الحجّاز

بقلم : زين العابدين الحجّاز

• ولد محمود بشير الصبّاغ في حي أبروف العريق بمدينة أم درمان عام 1925م . توفت والدته و هو طفل  فتربى تحت كنف شقيقاته . درس المرحلة الوسطى في مدرسة الأهلية بأم درمان و المرحلة الثانوية في المدرسة المصرية ثم التحق معلما للغة العربية والتربية الإسلامية في مدارس الشعب بالخرطوم بحري التي أسسها ميسرة السرّاج  وترقّى  حتى أصبح وكيلا لها . تمّ تعينه موجها تربويا بوزارة التربية و التعليم حيث امتدت تجربته في هذا الحقل الإنساني مدة ثلاثين عاما متواصلة . (الصبّاغ) هو لقب جدّه محمد الذي كانت لديه مصبغة  في عهد التركية  في  الموقع  الذى كانت تحتله سابقا خلوة الشيخ أرباب العقائد وحاليا مسجد أرباب العقائد أو جامع فاروق  بالخرطوم ولأجل ذلك أشتهر بالصبّاغ ثم صار ذلك لقبا وإسما علما للعائلة  . ربطته علاقة صداقة قوية مع الأستاذ ميسرة السراج الذي دفع بمسيرته في التعليم و التمثيل و كان أيضاً  أحد تلاميذ العلاّمة الطيب السراج  والذي كان له أبلغ الأثر بعد ذلك في إجادته للغة العربية من كل جانب سواء في الإستيعاب أوالنطق والتعبير والإعراب والبلاغة  وتدريسها بدوره لتلاميذه وتلميذاته في التعليم النظامي . 

يعد محمود الصبّاغ  رائدا من رواد العمل المسرحي و الإذاعي والتلفزيوني  والسينمائي فهو مؤلف درامي ومسرحي وممثل إذاعي وتلفزيوني وسينمائي من طراز فريد وبمواهب متعددة . كانت بداياته الأولى مع التمثيل عام 1937م  حين كان تلميذا في المدرسة الأهلية الوسطى بأمدرمان  حيث شارك في مسرحية أحمد شوقي « قيس وليلى»  وفي المدرسة الثانوية المصرية كان يشارك في فعاليات ومناشط جمعية التمثيل بالمدرسة … ثم كانت البداية الجادة على مستوى المسرح السوداني في (فرقة السودان للتمثيل والموسيقى) التي أسسها ميسرة السراج و التي استوعبت واحتضنت المواهب الشبابية فتخرج منها فيما بعد معظم نجوم الدراما السودانية حاليا منهم عوض صديق ومحمد خيري أحمد وعوض أحمد . قدمت هذه الفرقة الرائدة العديد من الأعمال الدرامية والتي كان محمود الصبّاغ يقوم بالإعداد لها والإخراج بمشاركة زملائه الآخرين .. فراج الطيب و عثمان حميدة  و غيرهما وقد أثرت  الفرقة الدراما السودانية بالعديد من الأعمال المسرحية التي شهدتها خشبة المسرح القومي بأمدرمان . من أهم المسرحيات التي شارك فيها  محمود الصبّاغ كانت : «عجائب الفردوس» و « الأشقاء» و « انتقام وغرام»   و « غرس الأحرار» و « الأفعى» و « الناس الغبش» و « السودان العظيم» و « سوق مريود» و مسرحية «وفاء» كذلك أدى دور البطولة في مسرحية « مبروك عليك» من تأليف المرحوم عثمان حميدة وإخراج جاد الله جبارة وقد عرضت هذه المسرحية في مسرح الجزيرة بمدينة ودمدني وحققت نجاحا جماهيريا وفنيا كبيرا . شارك بدور أساسي في فيلم «عرس الزين» للمخرج الكويتي خالد الصديق كما شارك في فيلم « الرحيل لا « للمخرج المصري ماجد عبد الله  .

منذ حقبة ما قبل الإستقلال وحتى قبيل وفاته بفترة قليلة ظلّ محمود الصبّاغ داخل إستديوهات الاذاعة و التلفزيون السوداني  بتقديمه للعديد من البرامج الدينية فمن خلال الإذاعة السودانية في الستينيات قدّم برنامج « من قصص القران الكريم « من اعداد ميسرة السراج  وأدى الأدوار فيها الصبّاغ ومحمد خيري أحمد وعوض أحمد وقدّم  برنامج « من تراث القرآن الكريم « بالاضافة الي أعمال درامية من تأليفه على هيئة مسلسلات تناولت الجانب التاريخي الإسلامي ومنها  مسلسل « أبطال القادسية « و  « سيدنا بلال إبن رباح «  كما قدم تمثيليات قصيرة تناولت سيرة وعطاء عدة شخصيات إسلامية جليلة واشترك  في تمثيل العديد من التمثيليات الإذاعية الأخرى . 

من خلال التلفزيون السوداني قام بإعداد وتمثيل وتقديم برامج تلفزيونية عديدة من بينها البرنامج الديني « وقال رسول الله «  و ذلك على هيئة عمل درامي لتقريب الأحاديث النبوية وتبسيطها على نحو يفهمه ويستوعبه العامة وقد نال هذا البرنامج حظا وافرا من الشهرة فأشاد به الأزهر الشريف وأصبح يبث في التلفزيون المصري . ارتبط محمود الصبّاغ باسم (الجد شعبان) من خلال البرنامج الشهير « جنة الأطفال « الذي تولّى الإشراف عليه و تقديمه  منذ العام 1964م  وتبقى شخصية (الجد شعبان) .. أو كما يوصفه أصدقائه ومحبيه ومعجبيه وتلاميذه بأنه (جد السودان كله) و هي الشخصية النمطية التي أبدع فيها وارتبط بها وارتبطت به وكانت من ابتكار المخرج أحمد عاطف  .

ترعرع محمود الصبّاغ في حي أبوروف منذ نعومة أظفاره ولم يغادره طوال حياته اللهم إلا خلال الإجازات القصيرة التي كان يقضيها أحيانا وسط بعض ابنائه المغتربين في الخليج أو بصحبة الفرق المسرحية التي كانت تسافر إلى الأقاليم داخل السودان فقد عرف عنه ارتباطه الروحي الوثيق واللصيق بأم درمان وحي أبوروف فكان لا يرضى عنه  بديلا ولا يحتمل الغياب عنه طويلا . في برنامج تلفزيوني تحدّث فيه أحد تلامذته و زملائه في العمل و هوالأستاذ الممثل محمد شريف علي نائب الامين العام لمجلس المهن الموسيقية والمسرحية وتناول بكل الصدق الحميم جوانب مفصلية من مسيرة وعطاء محمود الصبّاغ وارتباطه القوي بأسرته و وطنه و نهر النيل  حيث كان يقضي الساعات الطوال عند شاطئ النيل في أبروف جالساً على كرسيه أو على جذع شجرة يحدّق في ذلك البحر كأنه يستلهم منه الكثير من صبره وإصراره وكرمه الفياض وهدوء صفحته  . 

له من الأخوان  خليل و سيد و علي و من الأخوات عائشة و بتول و التومة و أم الحسين . تزوّج من ليلى القوصي و له العديد  من الأبناء و البنات داخل و خارج السودان . لإيمانها العميق بسمو رسالته وقفت زوجته إلى جانبه في السراء والضراء وكانت المشجع والدافع للعديد من إنجازاته وعمله وإبداعاته الفنية التي كان يقدمها دون مقابل مادي من أجل إثراء الحياة الفكرية في السودان .  كان للعديد من الزعماء السياسيين والإعلاميين الرواد في السودان علاقات وثيقة الصلة مع محمود الصباّغ وكان دائما يذكرهم  بالخير و يعدد مآثرهم و وقوفهم إلى جانبه منهم على سبيل المثال السيد الإمام الصادق المهدي  و البروفيسور علي شمو  و    د. إسماعيل الحاج موسى  وميسرة السراج  وفراج الطيب وكان له من الأصدقاء المقربين  عثمان حميدة الشهير بـ « تور الجر»  وكذلك من عملوا معه في برامج الأطفال .. أمينة عبد الرحيم و سهام المغربي وصفية الأمين المشهورة بلقب « ماما صفية «  .

أصابه المرض في سنواته الأخيرة و لزم السرير للعلاج في مستشفى البراحة في الخرطوم بحري  ثم تمّ نقله الى مستشفى المفرق بإمارة ابوظبي لاستكمال علاجه حيث توفي هناك يوم 14 من شهر أبريل للعام 2007م  . حرص أبناؤه في أبوظبي على نقل جثمانه إلى السودان ليوارى الثرى وسط أهله وعشيرته وقرب والده ووالدته ومن سبقه من أشقائه وشقيقاته في مقابر أحمد شرفي بأم درمان … المدينة والأرض التي أحبها . كان في تشييعه  موكب كثيف مهيب وجمع غفير من أهالي        أم درمان عامة وحي أبروف العريق والأحياء المجاورة خاصة . بكى عليه أصدقاؤه وتلاميذه بالدمع السخين في عفوية عبّرت عن مدى التصاقهم به وحبهم له وعن مدى ما كان يتمتع به من خلق راقي رفيع في التعامل مع كافة الأعمار ومختلف الثقافات . اللهم أرحمه  بقدر ما أعطى وطنه وأبناء وطنه  وأسكنه جنات الفردوس الأعلى .

الشكر موصول لكل من أتاح لنا معلومة في هذه السيرة العطرة و التحية لأصدقائي يا سين و زكريا أبناء خليل الصبّاغ شقيق محمود الصبّاغ.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *