الثقافة مفتاح الحل في السودان (٤-٥) (رؤية في العمق)  

368
يوسف عبدالرضي2

يوسف عبدالرضي

شاعر وكاتب صحفي

• في خضم ما يمر به السودان من أزمات متلاحقة، تبدو كل الحلول المطروحة قاصرة عن معالجة الجذور الحقيقية للمشكلة. البعض ينظر إلى السياسة بوصفها المدخل، وآخرون يرون الاقتصاد أولوية، وثالث يعوّل على المبادرات المجتمعية، لكني أزعم ــ عن قناعة وتجربة ــ أن مفتاح الحل الحقيقي هو الثقافة.

قد يتساءل البعض: ما علاقة الثقافة، بهذا المعنى الواسع، بواقع متخم بالحرب والتهجير والانقسام والانهيار؟

الإجابة تبدأ من فهمنا للثقافة لا كترف فكري أو نشاط نخبوي، بل كبنية تحتية للوعي الجماعي، ومنظومة قيم تحدد كيف يفكر الناس، وكيف يتعاملون مع أنفسهم ومع غيرهم، ومع الدولة، ومع الاختلاف.

نحن ـ في السودان ـ لا نعاني فقط من انقسامات سياسية، أو صراعات قبلية، أو هشاشة اقتصادية، بل من غياب المشروع الثقافي الجامع، الذي يُعيد تعريف الإنسان السوداني لنفسه، ويمنحه أدوات الفهم والتفاعل السليم مع التعدد، ويخلق لديه حسًّا مدنيًّا يعلو فوق الولاءات الضيقة.

لقد انهارت الدولة السودانية مرارًا، لأن البناء الوطني لم يرتكز على ثقافة مشتركة، بل على مواءمات مؤقتة، وتسويات فوقية، لم تُحدِث أي تحول في الوعي.

المدرسة لم تلعب دورها، الإعلام مشغول بالحسابات السريعة، والمؤسسات الثقافية ــ حيث وُجدت ــ أضعف من أن تحرّك ساكنًا.

من هنا دعوتي، التي قد يراها البعض بسيطة أو مثالية، لكنها ـ في نظري ـ ضرورية وممكنة:

علينا أن نبدأ في مشروع وطني طويل النفس، هدفه إعادة تشكيل الوعي السوداني من خلال الثقافة. لا أعني فقط الأدب والفن، بل كل أشكال المعرفة والسلوك المجتمعي، التي تصنع إنسانًا جديدًا، يرى في التنوع فرصة لا تهديدًا، وفي الاختلاف ثراءً لا انقسامًا، ويؤمن بأن المواطنة لا تُقاس باللون أو اللغة أو الجهة.

لن تنجح أي عملية سياسية ما لم تسبقها أو تواكبها نهضة ثقافية.

لن ينهض الاقتصاد في بيئة يعشش فيها الفساد كقيمة مقبولة أو متسامح معها.

لن يُحترم القانون ما لم تؤسس الثقافة للاحترام كمبدأ قبل أن يكون إلزامًا.

ولا أدّعي أنني صاحب رؤية مكتملة، ولا أنني أملك الحلول التفصيلية، لكنني، كمواطن عادي، أرى أننا إذا لم نبدأ الحديث الجاد عن الثقافة بوصفها أساس الإصلاح، فلن يتغير شيء، وسنظل ندور في  الحلقة المفرغة نفسها.

قد لا أكون من حملة الشهادات العليا، لكنني ـ كبقية أبناء هذا الوطن ـ أحمل وجعًا عميقًا، وأؤمن أن الكلمة الصادقة إذا خرجت من القلب، يمكن أن تسهم في التغيير.

سأواصل الكتابة في هذا الاتجاه، مُتناولًا نماذج ملموسة، وأفكارًا قابلة للتطبيق، علّنا نُضيء شمعة وسط هذا الظلام الذي طال. 

يتبع،،

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *