التكنولوجيا ووسائل التواصل في ميزان العلاقات الاجتماعية

94
pic01
Picture of نعمات مصطفى عبد الرحمن

نعمات مصطفى عبد الرحمن


• أثرت التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي الرقمية بشكل كبير على العلاقات الاجتماعية، فمن جهة أصبح التواصل الاجتماعي أسهل بكثير وعابراً للدول وللقارات وحتى للغات والفروق الثقافية، لكن العلاقات الاجتماعية  أصبحت أكثر تعقيداً وربما أكثر هشاشة، بسبب طبيعة التواصل الافتراضي، ومن أهم آثار التكنولوجيا على العلاقات الاجتماعية ما يلي …

التأثير  على المجتمع

غيّرت التكنولوجيا طرق التواصل والعمل والتعلّم. وفتحت مجالات جديدة للحوار الفكري، وهو ما يتطلب فهماً عميقاً لتأثيراتها.

تسهيل التواصل

 أهم سمة للتكنولوجيا أنها استطاعت تسهيل وتحسين التواصل بين الأفراد، ووفّرت الكثير من الجهد والوقت والتكلفة للتواصل في العلاقات الاجتماعية القائمة على أرض الواقع، أو العلاقات التي تبدأ وتتطور بفضل وسائل التواصل الاجتماعي الرقمية، وربما يكون هذا  هو الأثر الإيجابي الأكبر للتكنولوجيا على العلاقات الاجتماعية والإنسانية. 

تقليل وقت التواصل المباشر

 حلّت وسائل التواصل الاجتماعي والاتصال الرقمي بشكل كبير مكان وسائل التواصل المباشر، ما أثر  كثيراً على معدل الوقت الذي يقضيه الناس في التواصل المباشر مع الآخرين، أو حتى مشاركتهم في المناسبات الاجتماعية المختلفة، فحتى العزاء في الموت والمباركة في الفرح والتهنئة أصبحت مختزلة في معظم الحالات برسالةٍ أو منشور عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي.

تغيّر طريقة التعارف

 أثرت التكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة بشكل كبير وجوهري على طرق التعارف بين الأشخاص، فمن جهة فتحت وسائل التواصل الاجتماعي الباب واسعاً أمام التعارف بمختلف أشكاله وأنواعه، ومن جهة أخرى وسّعت نطاق التعارف لكون عابراً للبلدان والقارات واللغات، لكن التعارف الرقمي أيضاً يفتقر إلى عاملي الثقة والمصداقية، اللذين عادةً ما ينتجان عن التفاعل المباشر مع الآخرين، واختبار العلاقة معهم بالمواقف الجدية واليومية.

انتشار العزلة والوحدة

تعدُّ الوحدة والعزلة الاجتماعية من القضايا التي تجذب اهتمام الباحثين الاجتماعيين والنفسيين، بسبب انتشار هذه المشاعر بشكل كبير بعد توسّع الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، ويبدو أن الاتصال الكثيف والمستمر الذي تقدمه وسائل التواصل الاجتماعي، لا يقدِّم  الإشباع العاطفي ذاته أو الرضا النفسي الذي كان يقدمه الاتصال التقليدي المباشر والعلاقات الاجتماعية الكلاسيكية، ليصبح الإنسان وحيداً على الرغم من مئات الرسائل المقروءة وغير المقروءة في هاتفه. 

مشكلات الخصوصية

من التأثيرات الكبيرة للتكنولوجيا على العلاقات الاجتماعية، وجود ثغرات لا نهاية لها في الخصوصية والأمان الشخصي للمستخدمين، وهذه الثغرات أو المشكلات تتوسّع مع توسّع استخدام التكنولوجيا، لتصبح العلاقات الاجتماعية الإنسانية -مثل الصداقة والحب والزمالة- عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بوابةً لاختراق الخصوصية واستعمال البيانات بشكلٍ مسيء. 

علاقات أسرع.. وأقصر عمراً 

 بمراقبة العلاقات الاجتماعية التي تنشأ عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات التعارف، يمكن أن نقول إنها علاقات أسرع تطوراً بمراحل مقارنةً بالعلاقات التقليدية، لكنها أيضاً وفي معظم الأحوال أقصر عمراً! وهي علاقات مهددة بالانهيار مع كل تطوّر جديد يسمح بانكشاف جوانب لا يمكن اكتشافها بسهولة من خلال التواصل الافتراضي. 

علاقات أقلّ تشعّباً

من مميزات العلاقات الاجتماعية التقليدية، أنّها غالباً ما تكون شديدة التشعّب، بمعنى أن الروابط الاجتماعية التي تجمع بين شخصين تمتد إلى دوائر أخرى من العائلة والأصدقاء المشتركين والمعارف، فيما تزداد فرص العلاقات القائمة على شخصين فقط في وسائل التواصل الحديثة، وهذا ما قد يجعل العلاقات الاجتماعية القائمة على شخصين فقط أقلّ قوّة من العلاقات المتشعبة. 

تغيّر وسائل قيادة الرأي العام

 تعدُّ العلاقات الاجتماعية العمود الفقري لإدارة الرأي العام، سواء في الجوانب التسويقية أو السياسية أو غيرها، ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي والاتصال الرقمي، أصبحت هناك قواعد جديدة لإدارة الرأي العام والتأثير فيه، هي في الغالب أكثر فاعلية من الوسائل التقليدية، لكن هذه الفاعلية تصب في مصلحة المؤثرين الكبار في الرأي العام وليس في مصلحة المستخدمين أو العلاقة التي تجمعهم. 

سلبيات التكنولوجيا

من أوضح سلبيات التكنولوجيا، تراجع العلاقات الاجتماعية الواقعية، حيث تأثرت العلاقات الاجتماعية الواقعية والمباشرة بشكل كبير بالتكنولوجيا، ولم يعد من السهل إقناع الحاضرين على طاولة واحدة بالتنازل عن هواتفهم المحمولة بضع دقائق، أو الحصول على تواصل مباشرٍ فعّالٍ ومستمر بعيداً عن فضاء مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى على مستوى الاستشارات الصحية والقانونية والاجتماعية، يكون اللجوء أولاً لمحركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة. 

وللحد من تأثير  التكنولوجيا السلبي على العلاقات الاجتماعية، لا بدَّ من أن يمتلك الأفراد وعياً كافياً بخصوص وسائل حماية بياناتهم وخصوصيتهم، وحماية أنفسهم من الجرائم الإلكترونية، وذلك من خلال الإلمام  بإجراءات الحفاظ على الخصوصية، والتعرّف عن قرب على القوانين التي تضمن محاسبة من يمارس أيّاً من الجرائم الإلكترونية، التي تعدّ آفة اجتماعية من آفات المجتمع المعاصر. 

من المخاطر التي تواجه مستخدمي وسائل الاتصال الحديثة والتكنولوجيا، أنها تؤدي أحياناً إلى الإدمان على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يمكن أن يؤثر سلباً على العلاقات الاجتماعية والصحة النفسية، ويحوّل العلاقات الاجتماعية التي تعتبر ضرورة للإنسان، إلى كابوس من هدر الوقت، والأفكار السلبية، وفقدان السيطرة.

 

شارك التحقيق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *