• في الوقت الذي تتسابق فيه الوزارات والولايات للاحتفاء بيوم المعلم تحت الشعارات اللامعة والعبارات الرنانة، يحق لنا أن نسأل بصدق: هل يحتفل المسؤولون بالمعلم حقًّا أم يحتفلون به وهم يسلبونه حقوقه؟
إنّ يوم المعلم ليس مناسبة لتبادل الخطب والابتسامات أمام الكاميرات، بل هو اختبار حقيقي لمدى التزام الدولة بردّ الجميل لمن حمل شعلة التعليم في أحلك الظروف. فالمعلم لا يطلب ترفًا، ولا يبحث عن شهرة، بل يطالب بأبسط حقوقه: راتبٍ مجزٍ، وبدلاتٍ وعلاواتٍ مستحقة، وترقياتٍ مجمدة منذ سنوات، ومعاشٍ كريمٍ لمن أفنوا أعمارهم في خدمة الأجيال.
لقد تابعنا خلال الاحتفال الرسمي الذي نظمته وزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم، والذي شهد حضوره والي الولاية وعدد من القيادات، عبارات الثناء والإشادة التي أُغرِق بها المعلمون. قال الوالي إن المعلم «رسول العلم والمعرفة»، ودعا من غادروا العاصمة إلى العودة من أجل تلاميذهم، كما وصف يوم المعلم بأنه «عيد وطني».
لكن السؤال الجوهري يبقى: أيّ معنى للاحتفاء بالمعلم دون أن تُصرف استحقاقاته؟
إنّ التكريم الذي نعرفه – والذي يعرفه كل منصف – ليس في المديح ولا في الصور التذكارية، بل في صرف المرتبات المتأخرة والبدلات والعلاوات، وفك الترقيات المجمدة، وصرف استبدالات المعاشيين كاملة دون مماطلة. هؤلاء الذين خرجوا من الخدمة يستحقون التكريم بالوفاء، لا بالتجاهل والنسيان.
وليعلم القائمون على الأمر، أن الاعتداء على حقوق المعلمين – سواء بوقف المرتبات، أو الفصل التعسفي، أو التجميد الإداري – ليس فقط ظلماً أخلاقياً، بل جريمة قانونية مكتملة الأركان. فالقانون المحلي والدولي على السواء يُلزم الجهة التي تُنهي خدمة موظف بصرف كامل استحقاقاته فورًا، وإلا كانت عرضة للملاحقة القضائية. إنّ أي إجراء متعسف تجاه المعلمين، سيضع الوزارة والولاية والحكومة الاتحادية في ورطة قانونية وأخلاقية لا مخرج منها إلا بإعادة الحقوق لأصحابها.
لقد حان الوقت لأن تتحول كلمات المسؤولين إلى قرارات تنفيذية واضحة: صرف جميع استحقاقات المعلمين دون تأخير. وفك الترقيات المجمدة منذ سنوات. وصرف استبدالات المعاشيين الذين ينتظرون حقوقهم في صمت موجع. ووضع حدٍّ نهائي لأي ممارسات إدارية تعسفية ضد المعلمين.
فالمعلم هو الركيزة الأساسية لبناء الأمة، كما قال مدير عام الأنشطة المدرسية، لكن الركائز لا تُبنى بالمديح، بل تُصان بالعدالة والكرامة.
ختامًا، إنّ من يريد أن يكرم المعلم فليمنحه حقه كاملًا غير منقوص، لأن الكلمة الطيبة وحدها – مهما كانت منمقة – لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تُطعم أطفال المعلمين الذين ينتظرون في بيوتٍ أرهقها الصبر.
الاحتفال الحقيقي بيوم المعلم يبدأ من وزارة المالية، لا من منصة الاحتفالات.