

بقلم: أ. د. سعد يوسف عبيد
الحلقة الرابعة
• (الإبتزاز .. أشكال وألوان) •
حوادث الابتزاز كانت معروفة عندنا منذ الأسابيع الأولى لاحتلال الغزاة لحينا ، إذ أيقنا أن هدفهم الأساسي هو : المال .. والمنقولات التي يمكن تحويلها لأموال مثل الذهب والهواتف و الشاشات .. أما السيارات فهي ذات أهمية قصوى لأنها تستخدم لنقل وترحيل الأموال والمنهوبات داخلياً إلى أسواق المنهوبات المنتشرة بكثافة في مدن العاصمة الثلاث ، و خارجياً إلى إلى مدن أخرى وبلدان أُخر .
لم تكن وسيلتهم الوحيدة لجمع المال هي السرقة والنهب وحدهما ، فقد استخدموا أيضاً أسلوب الإبتزاز فوجدوها وسيلة فعالة و مريحة في الحصول على المال .و الإبتزاز عندهم لم يكن بطريقة واحدة بل اتخذ طرائق شتى أحكي لكم عن بعضها :
الإبتزاز البسيط :
وفق معلومات جمعوها من بعض المتعاونين معهم ، جاء أحدهم إلى جارنا مدعياً أنه من استخبارات الغزاة و أخطره بكل هدوء أنه مطلوب للتحقيق معه في اتهام بسيط وعليه الذهاب معه .. لم يكن أمام جارنا سوى الانصياع للأمر .. تحرك معه .. وقبل أن يبتعدا كثيراً عن البيت أوقفه الغازي ليقول له :
لو دفعت ( و حدد له مبلغاً من المال) ح أسيبك
ما عندي القروش دي ..
عندك
فتشني
عندك في حسابك .. حول لي بي (بنكك) في النمرة دي
أملى عليه الرقم فتم التحويل وعاد جاري إلى بيته
الابتزاز المركب :
في ذات ظهيرة دخلت مجموعة منهم منزل جار لنا و كان يملك سيارة (بوكس) جديدة .. ففرحوا أيما فرح و نهبوها و خرجوا بها تحت تهديد السلاح .. حتى هنا فقد كان الأمر اعتيادياً عندنا .. أن تنهب ممتلكاتك أمام عينك و أنت تتنقل ببصرك بين المنهوبات وفوهات البنادق الموجهة إلى رأسك وصدرك من المسافة صفر . لكن الجديد في هذه الحادثة .. أن جارنا احتسب البوكس و بدأ في محاولات نسيانه ، إلا أن مجموعة أخرى جاءته – و يقال أن بينها أحد سكان الحي – مواسية في فقده ثم وعدته بأن تعيد له العربة إن سلمهم بضع مليارات من الجنيهات كفدية .. قارن الجار بين مبلغ الفدية وقيمة السيارة الحقيقية فدفع المبلغ المطلوب … أعادو له السيارة ففرح بعودتها إلا أن الفرحة لم تدم طويلاً حيث جاءت مجموعة أخرى في اليوم التالي و نهبت ذات العربة .. فجاء الإبتزاز هنا مركباً داخل عمليتي نهب .
الابتزاز بالأعراض :
ثم دخلت الأحداث منحنىً أكثر خطراً ، جاءت مجموعة إلى إحدى الأسر في الحي و أعلنتها أنها مأمورة باعتقال إحدى فتيات تلك الأسرة بتهم لم تحدد بوضوح وأن على الفتاة الذهاب معهم فوراً إلى مقر التحقيقات الذي لم يحدد مكانه ..حاول رب الأسرة دون جدوى إقناعهم بشتى السبل بأن الفتاة بريئة ولا علاقة لها بأي فعل أو قول يتصل بتلك الحرب الدائرة .. دخلت العائلة بكاملها في حالة نفسية بلغت من السوء مستوىً يستحيل وصفه بالكلمات .. وصل الخبر إلى سكان الحي الذين كانوا مايزالون مرابطين في بيوتهم ولم يكن بيدهم حيلة سوى أن يشاطروهم ذلك الإحساس بالمهانة وقلة الحيلة فهم عدد قليل أعزل من السلاح و المال . وعندما وصلت تلك المأساة إلى قمتها ظهر أحدهم وبدأ الوساطة بين المجموعة ورب الأسرة .. و بعد مفاوضات ماراسونية جاء ذلك الأحدهم فرحاً لرب الأسرة يزف له الخبر السعيد و فحواه أن المجموعة وافقت على الجلاء دون أن تأخذ الفتاة معها بشرط أن يدفع رب الأسرة بضعة مليارات من الجنيهات فوراً . لم يكن رب الأسرة يملك ذلك القدر من المال لكنه لا يملك إلا أن يوافق حماية لعرضه .. وبدأ سلسلة من الاتصالات بكل معارفه وفي النهاية أكمل المبلغ المطلوب وخرجت المجموعة يتبعها الوسيط .. و من خلفهم خرجت الأسرة من الحي سيراً على الأقدام تاركة خلفها كل ممتلكاتها ..
إذاً فقد دخلنا في مرحلة جديدة .. إذ أن الغزاة لم تعد تكفيهم عمليات الاعتداء على الأموال والممتلكات التي تحملها الناس بقدر كبير من الشجاعة و ضبط النفس ، بل إن الناس بدأوا يشتمون رائحة الاعتداء على الأعراض .. فبدأت عمليات الإجلاء التدريجي للنساء والأطفال .
و.. نواصل
شارك المقال