البروف سعد يوسف عبيد يكتب لـ (فويس): النكبة (17)

8
Um durman
Picture of أ. د.  سعد يوسف عبيد

أ. د. سعد يوسف عبيد

(عنصرية)

• أتجه قائد المجموعة نحونا وعندما وصلنا قال :

طلعت ما أجنحة مسيرة .. 

أنزل حراسنا أسلحتهم … تحرك القائد مبتعداً عنا و تبعه رفاقه.. حمدنا الله على السلامة .. وتنفسنا الصعداء .. إلا أن الحادثة أيقظت عندنا فكرة النزوح التي أصبحت عندنا ملحة بشكل كبير .. حاولنا العودة إلى فكرة النزوح إلى بانت لكن الطريق إليها كان ما يزال محفوفاً بالمخاطر . فكان أمامنا الخيار الثاني .

و بعد البحث وجدنا أنه إذا أراد شخص ما مغادرة حينا قاصداً مدينة ود مدني فعليه أن يصل إلى سوق ليبيا راجلاً أو عن طريق ركشة و من هناك يمكنه السفر إلى مدني بأحد الطريقين : إما أن يستخدم المواصلات العامة إلى الثورات و منها يعبر النيل  من جسر الحلفايا حتى يصل إلى الحاج يوسف ومنها إلى مدني عن طريق الشرق الذي يمر برفاعة .أومن سوق ليبيا يستغل الحافلات إلى مدني عن طريق غرب النيل الأبيض الذي يمر بالمناقل .. استقر رأينا أن نذهب إلى مدني عن طريق الشرق لأن طريق النيل الأبيض طويل ومرهق وفيه مبيت في الطريق . 

كان لابد أن نحيط قراراتنا وتحركاتنا بالسرية التامة .. جلست في باحة البيت وبدأت أفكر في كيفية الخروج دون إعلان .. في تلك اللحظة أحسست بأن جسدي لم يعد يحتمل فقد إنتابتني الأوجاع في كل جزء منه .. بعضها ناتجة عن أمراضي القديمة ذات العلاقة بأوجاع الظهر وبعضها الآخر جراء ما اكتسبته من الأمراض الجديدة الناتجة عن التعذيب الذي كنت قد تعرضت له في اليوم الأسود والأيام التي تلته وكان أكثرها إيلاماً ألم الأذن اليسرى الناتج عن إطلاق النار علي لتمر الطلقة بجوارها في ذلك اليوم البئيس كما حكيت من قبل .. تحسست أذني فوجدت أنها ما تزال الدماء تسيل منها .. تحركت أجر قدمي و اضجعت على أقرب سرير .. و جال في في خاطري أن هذا الجسد لن يحتمل الرحلة . وفجأت سمعت أصواتاً في الخارج .. تناسيت كل تلك الآلام والأفكار وأسرعت بالخروج فوجدت جاري أمام منزله مقيداً بالحبال وسط ثلاثة من الغزاة كان أحدهم يقف بعيداً حاملاً سلاحه و الثاني يحمل سيفاً يجلد به جاري دون أن يسله من غمده .. والتقطت كلمات عرفت منها أنهم يطلبون بضاعة كان جاري يتاجر فيها قبل الحرب .. بمجرد ظهوري إندفع نحوي الثالث و صرخ في وجهي مهدداً بسلاحه :

أقعد في الوطا .. أقعد في الوطا

جلست على الأرض .. فطفق يحدق في متفحصاً

جاي من يين ؟

( أشرت إلى المنزل خلفي) من هنا

ماشي يين ؟

وقبل أن أجيب على سؤاله إنتبه إلى أن الآخرين قد تحركا مبتعدين فلحق بهما .. وقفت وتحركت نحو جاري الذي كان قد نال منهم ما نال .. كانت قيوده محكمة فلم نتمكن من فكها إلا بعد تقطيع الحبال بالسكين ..

جلسنا نتداول الأمر وانضم إلينا رفيق رابع .. و لما كان الرفيقان من ود مدني فقد استقر الرأي أن نترافق أربعتنا في السفر .. أعددنا الخطة و جهزنا المال اللازم . فقد تملكنا الإحساس بأن لا مقام لنا في بيوتنا بعد الآن .. وهو إحساس لو تعلمون طعمه كالعلقم .

في عصر ذلك اليوم مرت بنا مجموعة دون أن تلفت إلينا .. و بعد أن تجاوزونا تخلف منهم واحد وعاد إلينا .. وقف في مواجهتنا وحدق في وجه أحد الرفاق وقال له :

إنت جعلي ؟

لا

يا زول هوي .. قول أنا جعلي

قلت ليك أنا ما جعلي

ما تكضب

أكضب في شنو ؟ أنا لو كنت جعلي كان قلت جعلي .. هسع إنت قبيلتك شنو ؟

( قالها بفخر ) أنا رزيقي 

هسع كان قلت ليك قول أنا شايقي بتقول؟

( منتفضاً ) ما بقول .. ما بقول

طيب ليه دايرني أقول ليك قبيلة ما قبيلتي

مسحنا بنظرة احتقار وقال :

كلكم جلابة أولاد (……)

و تحرك  مسرعاً لاحقاً بزملائه  وتركنا مندهشين لهذا الكم من العنصرية التي تنضح من هؤلاء الغزاة .. فأحسسنا أننا على أعتاب مرحلة القتل على الهوية والعرق .

و ..نواصل

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *