البروف سعد يوسف عبيد يكتب لـ (فويس): النكبة (15)

21
ركشة
Picture of أ. د.  سعد يوسف عبيد

أ. د. سعد يوسف عبيد

• (النزوح إلى بانت) •

• بعد ذهاب المهنئين غادرنا رفيق إبني للالتحاق بعائلته وجلست مع إبني و قررنا أن نضع ما خف من متعلقاتنا الشخصية في حقيبتين و نغادر صباحاً إلى بيت العائلة الكبير في بانت وننتظر هناك ريثما تهدأ الأمور فنعود .. 

إتصلنا بسائق ركشة من سكان الحي و اتفق معنا على أن ننتظره في الصباح الباكر ليقلنا إلى بانت ..قضينا الليل في تجهيز الحقيبتين وجمعنا فيهما بعض الملابس و المتعلقات الشخصية المهمة مراعين أن لا تشغلا مساحة كبيرة في الركشة وأن لا يكون بهما ما يثير ريبة الغزاة إن قابلونا في الطريق وفتشوهما .

في الصباح انتظرنا سائق الركشة طويلاً حتى فقدنا فيه الامل أو كدنا .. و بدأنا التفكير في الذهاب إلى بانت سيراً على الأقدام .. وقبل أن نشرع في التحرك جاء سائق الركشة راجلاً فسألته في لهفة :

وين الركشة ؟

في البيت

ما لا ؟ باظت ولا شنو ؟

الركشة كويسة لكن الليلة ما ح نقدر نمشي 

ليه ؟

في اشتباك .. انتو من الصباح ما سامعين الضرب ده ؟

سامعين .. ما كل يوم بنسمع الضرب ده 

بس المرة دي في قناصين في الدوحة.. ننتظر لحدى الأمور تهدأ شوية ونتحرك .. بس إنتو خليكم جاهزين أول ما أشوف الأمور هدأت بجي عليكم 

أصابنا قدر كبير من الإحباط و أدخلنا الحقائب لكننا لم نفرغها من محتوياتها لنكون مستعدين للمغادرة في أي لحظة . بيد أن الاشتباكات في الدوحة ظلت متواصلة تنشب بين حين وآخر ..فأصبحت فكرة النزوح إلى بانت مستحيلة . أما حينا فقد كان يتمتع خلال فترة انتظارنا بقدر كبير نسبياً من الهدوء حتى كدنا نهمل أمر مغادرة البيت تماماً .. حتى مر بنا ذات يوم أحد ضباطهم .. كان عسكرياً منتظم الزي ولا يشبه في شكله ولهجته شكل ولهجة الغزاة الذين عهدناهم .. حيانا بحميمية :

السلام عليكم يا شباب 

عليكم السلام .. اتفضل 

جلس فتوجسنا منه لكنه حاول إزالة الرهبة فقال :

إن شاء الله حفاظتكم دي يكون فيها موية 

فيها لكن سخنة

يا زول سخنة و لا باردة المهم موية .. أنا شغال في ارتكاز في جنوب أمدرمان الموية بنلقاها بعد تعب ..

عبأ أحد الشباب الكوب و مده له فشربه دفعة واحدة

أديك تاني ؟

أي يا أخي أديني .. و الله أنا عطشان شديد .. أنا جاي بي كرعي مشوار طويل  

 استلم الكوب الثاني و بدأ الشراب و قال :

الحقيقة أنا جيت حلتكم دي بفتش في بيت واحد قريبنا

إسمو منو؟ 

 ذكر لنا الإسم فوصفنا له البيت .. وضع الكوب  ووقف :

أها  خليتكم بي عافية .. ربنا يحفظكم 

هم بالحركة و توقف و قال في لهجة شبه هامسة :

لكن يا جماعة بصراحة كدة وجودكم هنا خطر .. المعلومات العندنا ح يكون في هجوم هنا .. و لو حصل الهجوم .. جماعتنا ديل بجيببو الفزع .. والفزع ده بكتل من طرف .. فيا جماعة دي نصيحة مني لله .. أمرقو من هنا 

غادرنا و تركنا واجمين .. أصابتنا الحيرة هل هو صادق أم أنها حيلة أخرى لإجلائنا . المهم أن تحذيره كان يعضد قرارالهجرة و يدفعنا إلى الإسراع في تنفيذه .. كل ما هنالك أننا كنا ننتظر الوقت والوسيلة المناسبة.

و في عصر اليوم التالي وكنا مجموعة تحت شجرة النيم ، هاجمتنا جماعة كبيرة من الغزاة لم نرهم من قبل .. انقسموا إلى مجموعتين الأولى أحاطت بنا وأمرتنا بعدم الحركة و اتهمتنا بأننا نأوي قناصاً . أما المجموعة الثانية فقد اقتحمت المنزل.

و..نواصل

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *