

أ. د. سعد يوسف عبيد
• (الشكوك) •
• ( صرخ بصوت عالٍ رافعاً كلتا يديه إلى السماء ) تمشو السما الأحمر .. بتعرف السما الأحمر ولا ما بتعرفو ؟
لم أجبه إن كنت أعرف السما الأحمر أم لا إذ وصل شخص آخر لا يرتدي سوى بنطال وفنيلة داخلية سوداء .. كان قوي البنية مربوع القامة مفتول العضلات ولا يحمل سلاحاً .. إقتلع فرعاً طويلاً من شجرة النيم وبدأ في تنظيفه من الأوراق وهو يقف باحترام أمام زميله .. كنت أتأمل وجهه الصارم القسمات عندما لفتني زميله إليه بقوله :
أحسن تعترف عشان ما نستعمل معاك القوة
أعترف بي شنو ؟ ( ثم بدأ صوتي يعلو ) قلت ليك ما في زول من برة الحلة دي بجي هنا ؟ وما عندي علاقة مع أي زول غير الناس القاعدين هنا .. و ما عندي تلفون ذاتو.و ما في …
(قاطعني صارخاً ) أسكت يا زول
و في هذه اللحظة رجع الآخر خطوة إلى الخلف ورفع الفرع عالياً مستعداً لضربي فأمسك زميله بالفرع و قال له :
خليهو دا راجل كبير ما تضربو .. نسوقو هناك نخليهم يتصرفو معاهو .. (ثم التفت إلي فجأة ليقول) :
قلت لي ما في زول بجيكم هنا ؟
أيوة
حدق في وجهي لفترة فقرأ في قسماته ما يعتمل في دواخلي من غضب مكتوم .. ثم بدأ يلتفت عني ببطء و هو يمسح ببصره المنازل المقابلة .. وفجأة أشار بسلاحه إلى أحد المنازل المقابلة وسألني :
البيت ده فيهو منو ؟
فاضي
مفاتيحو عندك ؟
لا
عند منو ؟
البيت ده فاتح
وتحرك نحو ذلك المنزل وتبعه زميله .. دفع الباب ونظر من الخارج دون أن يدخل .. ثم تحرك مبتعداً وخلفه تابعه حتى اختفيا عند شارع الأسفلت .
تنفست الصعداء و جلست على الكرسي ممداً قدمي على كرسي آخر . ركزت على فرع النيم الملقي على الأرض فبدأت الأسئلة المحيرة تتقافز أمامي .. من هم هؤلاء ؟ ولماذا أهملوا قرارهم باقتيادي معهم ؟ و ما الغرض من زيارتهما لي ؟ و قبل أن أتوصل إلى إجابات مقنعة بدأ رواد شجرة النيم يتوافدون و بسألون عن أخبار إبني وزميله .. قصصت عليهم أحداث ذلك الصباح .. وبعد أن تداولنا المسألة توصلنا إلى أن إبني وزميله ما يزالان أحياء .. وأنهما معتقلان .. وأن حواري مع ذلك الرجل كان من بين التحقيقات التي لها علاقة باعتقالهما .
من المناقشات التي دارات تحت الشجرة خلال ذلك النهار بدأت تتكشف لي بعض الأمور التي كانت خافية عني .. وأولها أن الاعتقال لم يكن عشوائياً بل كان مدبراً إذ أن أحد جلسائي ظل يؤكد أن أحد السكان .. ذكره بالإسم (و لنرمز له ب x ) هو الذي خلف الاعتقال .. واستنكرت على جليسي أن يوجه هذا الاتهام الخطير قائلاً :
ي أخي حرام عليك .. الزول ده مهذب جداً وخدوم و…
(مقاطعاً ) ما دي عدة الشغل .. نوع من الكوموفلاج
يا أخي ( x) ده أول ما سمع الخبر جاني هنا وقال لي هو حيتحرك عشان يعرف الحصل شنو
و وراك الحصل شنو ؟
( متلعثماً ) ما ..ما لسع ما جاني راجع
يا أخي ده ما بحل ليك مشكلة .. دا النوع البكتل الكتيل و يمشي في جنازتو .. يا أخي منو القال ليهم صاحبك ح يمشي بورتسودان الساعة تسعة صباحاً ؟ الساعة تسعة وخمسة كانت البكاسي جنب البيت نهبتو ما خلت فيهو حاجة .. منو الأداهم المعلومات ؟
و هنا تدخل بعض الجلساء لدحض فكرة جليسي :
يا أخي ما تبقى شكاك للدرجة دي
غايتو إنت بتكره الزول دا كراهية شديدة
( صاح في وجوهنا منفعلاً ) يا ناس ما تبقو سذج للدرجة دي .. ما لاحظتو إنو بيتم ما اتنهب ؟ ما لاحظتو إنو تلفونو ما اتنهب ؟
لاذ الجميع بالصمت فلم يجبه أحد على أسئلته .. أما أنا فقد أجبته بسؤال آخر :
ما بتفتكر الموضوع دا موضوع إبتزاز ؟ يعني نتوقع يجينا (x ) ولا غيرو يقول لينا الجماعة ديل عايزين كذا مليار عشان يفكو الأولاد ؟
لا ..لا .. الموضوع دا ما موضوع إبتزاز
ما إبتزاز كيف ؟ الناس ديل جربو الحكاية دي في حلتنا كم مرة .. جارك مش جوهو وقالو ليهو إنت مطلوب القبض عليك ؟ وساقوهو وساوموهو و في النهاية دفع وفكوهو ؟ و حكاية محاولة إعتقال البت القريب دا .. مش كانت حيلة يطلعو بيها قروش من أبوها ؟ تقول لي دا ما حيكون فيهو إبتزاز ؟
الأمثلة القلتها دي كلها بستعملو فيها التهديد بالاعتقال ..تهديد بس .. يعني بنتحلو شخصية المخابرات .. أما موضوع ولدك دا اعتقال عديل .. لو كان إبتزاز كان طلبو القروش من أمبارح .. والزول الجاك الصباح هنا كان خش معاك في مساومات .. أو حتى كان قال ليك ولدك معتقل .. أو كانو رسلو ليك واحد من ناس الحلة .. ( x) مثلاً .
حديث جليسي قوى الشكوك عندي و عند بقية الجلساء حيال ( x) فأصبحنا قريبين من الإيمان بأن ( x) وراء اعتقال الأولاد .. وبدأت في مراجعة سلوكه في حوادث كثيرة مرت بنا .. وصاح جليسي في وجوهنا مرة أخرى قائلاً :
المهم أنا كلمتكم .. أعملو حسابكم .. أعملو حسابكم من الزول دا قبل ما يوديكم كلكم في داهية .. يا أخي الزول دا قبل كدا ما ….
فقاطعه أحد الجلساء قائلاً :
أسكت ..أسكت .. ( x) وصل .. بكون سمعنا
وكان ( x) بالفعل قد وصل قريباً منا كأن الأرض قد انشقت وخرج منها ..
وأنبرى آخر لتغيير الموضوع قائلاً بصوت عالٍ
قالو فرن العباسية اشتغل
دا كلام ساكت
أنا لاقيت ناس شايلين رغيف .. سألتهم قالو من فرن العباسية
وهنا وصل ( x) و جر كرسي ليجلس عليه وقال :
السلام عليكم
فلم يرد عليه أحد سواي
ونواصل
شارك المقال