الاعتراض أو إجهاض القرارات الدولية

3
مجلس الأمن
Picture of د. محمد أحمد محجوب عثمان

د. محمد أحمد محجوب عثمان

أستاذ القانون العام المُشارك

• شهد العالم حربين دوليتين مورست فيهما أعمال اتسمت بالوحشية والمخالفة للطبيعة البشرية والقيم والأعراف الإنسانية وقواعد ومبادئ القانون الدولي، انتهت بخسائر بشرية ومادية فادحة، الشيء الذي دفع للبحث عن آلية تنظم استخدام القوة وتحد منها، وتضبط ممارسات الحكومات، وترسم حدود التعامل بين الدول فيما بينها، فكانت عُصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى، والأمم المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية.

   تمت صياغة عهد العُصبة عام 1919م، وبدأت نشاطها في العام 1920م، وكان من أهم أهدافها: وقف الحروب، وتنظيم العلاقات بين الدول، والحد من انتشار السلاح، وتسوية المنازعات عبر التفاوض والتحكيم، ومعاملة سكان الدول المستعمرة والمنتدبة كغيرهم، وضمان تحقيق السلام، والسعي لتحسين أوضاع العمال. 

وصل أعضاء العُصبة إلى 58 دولة، استمرت العصبة في العمل ولم تحقق الكثير من أهدافها؛ بسبب الانقسامات والتحالفات، وإهمال وتجاهل الدول الكُبرى لقراراتها وتطاولهم عليها، وعدم انضمام بعض الدول الكبرى ذات النفوذ العسكري أو الاقتصادي للعصبة، وخضوع دول كثيرة للاستعمار أو نظام الوصايا؛ الشيء الذي أدى لتفكك العصبة شيئاً فشيئاً، إلى أن انهارت تماماً بعد قيام الحرب العالمية الثانية. وأُعلن عن ذلك صراحة في أبريل من العام 1946م.

   ويلات الحرب العالمية الثانية وفظائعها، واتساع رقعتها وخسائرها البشرية والمادية، كانت على درجة أسوأ مما كان عليه الحال في الحرب العالمية الأولى، الشيء الذي دفع الدول للبحث عن آلية دولية جديدة تتفادى فيها سلبيات العصبة، فكانت فكرة قيام الأمم المُتحدة، ولضمان الاستمرارية كان الرأي في تحفيز الدول الخمس المُنتصرة في الحرب العالمية الثانية، والتي تتمتع بنفوذ عسكري ووضع اقتصادي متميز، ومنحها ميزات تفضيلية؛ لترغيبها في الانضمام للكيان الدولي الجديد.

   منح الميثاق الدول الخمس (الولايات المُتحدة الأمريكية، روسيا، الصين، بريطانيا وفرنسا) ميزات وصلاحيات واسعة، وصلت في تقديرنا إلى حد التناقض والتعارض مع أهداف ومبادئ الأمم المُتحدة، من أبرز تلك المزايا والصلاحيات وأكثرها خطراً، ما يُعرف بحق الاعتراض أو حق الفيتو، والسلطات الممنوحة لتلك الدول في مجلس الأمن؛ خاصة فيما يتعلق باتخاذ التدابير ضد الدول، وتوجيهها وتنفيذها عبر لجنة أركان حرب المجلس، ولإيضاح ذلك، سنتناول ضوابط وإجراءات التصويت في الجمعية العامة وفي مجلس الأمن، وما يترتب على ذلك من آثار.

   نصّ ميثاق الأمم المتحدة في مادته الثانية على المبادئ التي قامت وتقوم عليها المُنظمة، ومن أهم تلك المبادئ: المساواة في السيادة بين جميع الأعضاء، والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة، أو بأي صورة أخرى لا تتفق ومقاصد الأمم المتحدة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية من قٍبل الأمم المُتحدة أو أي من أعضائها، باستثناء تدابير القمع الواردة في الفصل السابع من الميثاق، ولعل من أبرز مظاهر المساواة في السيادة، التساوي في المُشاركة في  آليات اتخاذ القرارات عبر التصويت وغيره.

    تناولت المادة (18) من الميثاق نظام التصويت في الجمعية العامة للأمم المُتحدة، باعتبارها الجهاز العام للمُنظمة، والذي يضم في عضويته كل الدول الأعضاء، حيث أمنت المادة على: 

يكون لكل عضو في الأمم المتحدة صوت واحد في الجمعية العامة. 

 تصدر الجمعية العامة قراراتها في المسائل العامة، (ويُقصد بها المسائل الموضوعية) بأغلبية ثُلثي الأعضاء الحاضرين المشتركين في التصويت (وعبارة المشتركين في التصويت تشير لحق الدول الامتناع من التصويت، وفي العادة لا يدخل عدد تلك الدول ضمن النسبة العامة في حساب النتائج)، تشمل المسائل العامة: التوصيات الخاصة بحفظ السلم والأمن الدولي، وانتخاب الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن، وانتخاب أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس حقوق الإنسان، وانتخاب أعضاء مجلس الوصاية، وقبول الأعضاء الجدد في الأمم المتحدة، ووقف الأعضاء عن مباشرة حقوق العضوية والتمتع بمزاياها، وفصل الأعضاء، والمسائل المتعلقة بسير نظام الوصاية، والمسائل الخاصة بالميزانية. 

 القرارات في المسائل الأخرى؛ (ويُقصد بها المسائل والأمور الشكلية) تصدر بأغلبية الأعضاء الحاضرين المشتركين في التصويت. 

   نظام التصويت في الجمعية العامة من حيث النص والممارسة، تتجلى فيه المساواة في السيادة بين الدول الأعضاء في الأمم المُتحدة، ومع ذلك فإننا نرى أن عدم إلزامية أو ضعف قرارات الجمعية العامة للدول الأعضاء، يجعل تلك المساواة في السيادة عديمة أو ضعيفة الجدوى؛ ذلك أن الأمم المُتحدة تشكل مرجعاً لتنسيق أعمال الأمم وتوجيهها نحو إدراك الغايات المشتركة، فمظهر القوة يتجلى في مجلس الأمن باعتباره الجهاز التنفيذي الذي يملك سُلطات وآليات الردع.

   وفقاً لمنطوق المادة (23) يتشكل مجلس الأمن من خمسة عشر عضواً، خمسة منهم دائمو العضوية، وعشرة غير دائمين، يتم اختيارهم عبر الانتخاب بواسطة الجمعية العامة، ويُراعى في ذلك مساهمة الأعضاء في حفظ السلم والأمن الدولي وفي مقاصد الهيئة الأخرى، كما يراعى أيضاً التوزيع الجغرافي العادل (حيث يتم اختيار خمسة منهم من دول أفريقيا وآسيا، وعضوين من دول أمريكا اللاتينية، وعضوين من دول أوروبا الغربية، وعضو من دول أوروبا الشرقية).

  تناولت المادة (27) من الميثاق التصويت في مجلس الأمن على النحو الآتي:

 يكون لكل عضو من أعضاء مجلس الأمن صوت واحد. 

 تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الإجرائية بموافقة تسعة من أعضائه. 

تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقة أصوات تسعة من أعضائه، يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة.

     صدور قرارات مجلس الأمن في الأمور والمسائل الموضوعية بموافقة الدول الأعضاء الخمسة الدائمين، يعني بمفهوم المخالفة أن عدم موافقة أي دولة من الدول الخمس يؤدي لبطلان ووقف القرار، حتى لو وافقت عليه الدول الأربع عشرة الأخرى المكونة لمجلس الأمن، وهو ما تعارف عليه بحق الاعتراض أو حق الفيتو، غير أننا نرى أن الأوفق تسميته بحق إجهاض القرارات الدولية وليس حق الاعتراض عليها، فحق الاعتراض أمر طبيعي ونتيجة حتمية لأية عملية تصويت على مستوى الأشخاص أو الكيانات، فمن يصوت يدلي برأيه  بالموافقة أو الاعتراض، بينما في حالة مجلس الأمن تنعدم السيادة حتى بين الدول دائمة العضوية، وذلك بتغليب رأي عضو واحد على بقية الأعضاء الأربعة عشر.

   لا يقتصر استخدام حق الاعتراض على القرارات أو إجهاضها في مسألة مُحددة في مجلس الأمن، فمن عيوب الميثاق، أن مجلس الأمن يمتلك سلطة تقييم النزاع وتكييفه، وسلطة اتخاذ تدابير القمع وسلطة تنفيذها، وكل ذلك مرهون بموافقة الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس. فقد نصت المادة (34) من الميثاق على أن لمجلس الأمن أن يفحص أي نزاع أو أي موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي، أو قد يثير نزاعاً، لكي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرّض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر، فالمادة منحت مجلس الأمن حق تقييم النزاع وأثره على السلم والأمن الدولي والإقليمي، وتقييم الأمر من المسائل الموضوعية التي تتطلب موافقة تسع من الدول الأعضاء، شريطة أن تكون بينها الدول الخمس دائمة العضوية مجتمعة.

   إذا رأى المجلس أن أي نزاع قد يُشكل تهديداً للسلم والإخلال به، أو قد يؤدي لوقوع عدوان، فله أن يقدم توصياته في أية مرحلة من مراحل النزاع، أو يتخذ موقفاً، أو يوصي بما يراه ملائماً من الإجراءات وطرق التسوية، مراعياً في ذلك الإجراءات والخطوات السابقة التي اتخذها أطراف النزاع، وأن تتخذ الإجراءات القانونية والقضائية أمام محكمة العدل الدولية، أو يقرر ما يجب اتخاذه من تدابير عسكرية أو غير عسكرية لحفظ السلم والأمن الدولي، أو إعادته إلى نصابه. 

    يتخذ مجلس الأمن توصياته وإجراءاته ومساعيه لحل النزاع بالطرق السلمية والدبلوماسية، وفقاً لمقتضيات الفصل السادس من الميثاق، والتي تقوم على مشاركة أطراف النزاع في إيجاد الحلول التي تحفظ سيادتهم وحقهم في عدم التدخل في شؤونهم الداخلية، والسعي لحل الخلافات بعيداً عن استخدام القوة في العلاقات الدولية بواسطة المنظمة أو الدول الأعضاء.

    في حال فشل تلك المساعي في حل النزاعات ومنعاً لتفاقم الموقف، لمجلس الأمن، قبل أن يقدم توصياته أو يتخذ التدابير غير العسكرية (مثل الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً أو كلياً، وقطع العلاقات الدبلوماسية وغيرها)، ويدعو المجلس الأطراف المتنازعة للأخذ بما يراه ضرورياً أو مستحسناً من تدابير مؤقتة، بحيث لا تخل هذه التدابير المؤقتة بحقوق المتنازعين ومطالبهم أو بمركزهم.

     إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير غير العسكرية لا تفي بالغرض أو ثبت عدم فاعليتها، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصار والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة، وفي هذه الحالة يتعهد جميع أعضاء الأمم المتحدة أن يضعوا تحت تصرف مجلس الأمن بناءً على طلبه وطبقاً لاتفاق أو اتفاقات خاصة ما يلزم من القوات المسلحة، والمساعدات والتسهيلات الضرورية لحفظ السلم والأمن الدولي، بما في ذلك حق مرور القوات عبر أراضيها. 

   كل تلك الإجراءات والخطوات تتم داخل أروقة مجلس الأمن، وتعدّ من المسائل الموضوعية التي تتطلب موافقة 9 من الدول الأعضاء بالمجلس بما فيها الدول الخمس دائمة العضوية مجتمعة، وفي حالة رفض أي دولة من الدول الخمس القرار، يصبح كأن لم يكن، بغض النظر عن نتيجة التصويت، وبصرف النظر عن طبيعة النزاع وتأثيره على السلم والأمن الدولي أو الإقليمي.

   يُشكل مجلس الأمن لجنة أركان حربه من رؤساء أركان حرب الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن أو من يقوم مقامهم، مهمتها إسداء النصح والمشورة والمعونة إلى مجلس الأمن في جميع المسائل المتصلة بما يلزمه من حاجات حربية لحفظ السلم والأمن الدولي، ولاستخدام القوات الموضوعة تحت تصرفه وقيادتها، ولتنظيم التسليح ونزع السلاح بالقدر المستطاع، ويجوز للجنة أن تدعو أي عضو في الأمم المتحدة من الأعضاء غير الممثلين فيها بصفة دائمة للاشتراك في عملها، إذا اقتضى حسن قيام اللجنة بمسؤولياتها أن يساهم هذا العضو في عملها، وتكون هذه اللجنة مسؤولة تحت إشراف مجلس الأمن عن التوجيه الاستراتيجي لأية قوات مسلحة موضوعة تحت تصرف المجلس، ولها أن تنشئ لجاناً فرعيةً إقليمية إذا خولها ذلك مجلس الأمن وبعد التشاور مع الوكالات الإقليمية صاحبة الشأن.

      لم يقتصر استخدام حق الاعتراض على القرارات على التصويت في مجلس الأمن، وإنما امتد إلى الجمعية العامة، ذلك أن الميثاق قد تناول في الفصل الثامن عشر منه (المادتين 108 و 109) تعديل الميثاق، حيث أجاز اقتراح التعديلات والتصويت عليها بالأغلبية المُقيدة (موافقة ثُلثي الأعضاء)، لكنه لم يقف عند هذا الحد فقد أوجب موافقة الدول الخمس دائمة العضوية مُجتمعة، وذلك على النحو الآتي:

تسري التعديلات التي تدخل على هذا الميثاق على جميع أعضاء الأمم المتحدة إذا صدرت بموافقة ثُلثي أعضاء الجمعية العامة وصدّق عليها ثلثا أعضاء الأمم المتحدة ومن بينهم جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين.

ويجوز عقد مؤتمر عام من أعضاء الأمم المتحدة لإعادة النظر في هذا الميثاق في الزمان والمكان اللذين تحددهما الجمعية العامة بأغلبية ثُلثي أعضائها وبموافقة تسعة من أعضاء مجلس الأمن، ويكون لكل عضو في الأمم المتحدة صوت واحد في المؤتمر. 

كل تغيير في هذا الميثاق أوصى به المؤتمر بأغلبية ثُلثي أعضائه يسري إذا صدّق عليه ثُلثا أعضاء الأمم المتحدة ومن بينهم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن. 

    الأصل أن الاتفاقية الدولية نتاج التقاء إرادة الدول الأطراف، وأن العقد شريعة المُتعاقدين، ويتم بالتراضي التام بين الأطراف مع ضرورة التساوي والمساواة في موقفهم ووضعهم القانوني، وللأطراف الحق الكامل والمتساوي في الانضمام للاتفاقية والانسحاب منها، واقتراح التعديلات والتصويت عليها وفق منطوق ومطلوبات الاتفاقية، وهو ما جرى عليه العُرف والعمل في الاتفاقيات الدولية؛ لذا فإن اشتراط أن موافقة الدول الخمس دائمة العضوية رغماً عن موافقة ثُلثي الدول الأطراف يعني تغليب رأي دولة واحدة على رأي ثُلثي الدول، وبالتالي هدم كامل لمبدأ المساواة في السيادة بين الدول الأطراف.

     المجتمع الدولي انتقل في الآونة الأخيرة من الاحتكام للمبادئ الدولية واحترامها لتغليب المصالح والسعي إليها، لذا فإن خطورة استخدام حق الاعتراض على القرارات الدولية تكمن في ترجيح كفة المصالح على المبادئ الدولية والعرفية والأخلاقية، وقد تلاحظ ذلك من خلال استخدام الدول دائمة العضوية ذلك الحق خلال مسيرة الأمم المُتحدة، وبالأخص خلال فترة الحرب الباردة والفترة التي أعقبتها حتى يومنا هذا.

      تشير الإحصاءات إلى أن الدول دائمة العضوية استخدمت حق الاعتراض على القرارات الدولية أكثر من (290) مرة على النحو الآتي: 

روسيا (143) مرة، كان غالب الاستخدام قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث اُستخدم (4) مرات بعد انهياره وقيام روسيا.

الولايات المتحدة الأمريكية (83) مرة، غالبية الاستخدام كان لمصلحة إسرائيل.

بريطانيا (32) مرة.

فرنسا (18) مرة. 

الصين (16) مرة.

    في تقديرنا أن حق الاعتراض على القرارات الدولية أو حق إجهاضها يعكس الخلل الواضح والكبير في منظمة الأمم المتحدة من حيث التشريع والتطبيق والآليات، ويقف حجر عثرة وحائط صد ضد أي خطوات أو أصوات تنادي بإصلاح المنظمة، وبالتالي يُعرقل كل الجهود الرامية لتحقيق مبادئ وأهداف ومقاصد الأمم المتحدة؛ والتي من أهمها حفظ السلم والأمن الدوليين.

    فمن حيث التشريع فإن الناظر لميثاق الأمم المُتحدة يجد أن قد اُعد وصُمم بطريقة تجعل الدول الخمس دائمة العضوية هي المُهيمن والمسيطر على المُنظمة، وأن كل القرارات الموضوعية سواء في الجمعية العامة أو مجلس الأمن، لا تجد طريقها لحيز الوجود إلا بموافقة تلك الدول مُجتمعة، وبالتالي تغليب رأي دولة على إجماع بقية الأعضاء المكونين للكيان الواحد، وبالتالي انعدام مبدأ سيادة الدول، بل وعدم تساوي الدول دائمة العضوية في السيادة عند التصويت، ولو سلمنا بأن مرحلة إنشاء الأمم المُتحدة كانت تتطلب ذلك من أجل وقف نزيف الحروب واستدامة السلم والأمن الدوليين، لكان من الممكن أن يشترط الميثاق موافقة غالبية الدول دائمة العضوية بحيث لا يستخدم الحق إلا عند اعتراض ثلاث دول من الدول دائمة العضوية عليه.

    أما من حيث التطبيق، فإن الواقع وخاصة بعد قيام التكتلات والتحالفات العسكرية والاقتصادية، وسمو نظرية المصالح على المبادئ، فإن الواقع قد أفرز لنا ظاهرة الاستخدام السيئ لحق الاعتراض، لدرجة استخدامه لتقويض كل الجهود الرامية لتحقيق السلم والأمن الدوليين، فجل الاستخدام إن لم يكن كله كان بغرض حماية مصالح الدول دائمة العضوية وحلفائها؛ مما أدى لتوسيع دائرة الحروب والنزاعات، وحماية الدول والأشخاص، ومساعدتهم في الإفلات من العقاب.

  أما من حيث الآليات، فالناظر إلى آليات الأمم المُتحدة وكياناتها، يجد أن قرارات الجمعية العامة والتي تشكل الجهاز العام للمنظمة، لا تحمل القوة اللازمة والكافية للتنفيذ، عكس قرارات مجلس الأمن (الجهاز التنفيذي للمنظمة)، والذي اجتمعت بيده سلطة التقييم واتخاذ القرارات وتنفيذها، على الرغم من أن طبيعة قرارات ذلك المجلس سياسية أكثر من كونها قانونية.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *