الإنتاج الجاد بداية نهضة السودان

24
دكتور طارق عشيري

د. طارق عشيري

أستاذ العلوم السياسية والدراسات الاستراتيجية في الجامعات السودانية

• بعد أن وضعت الحرب أوزارها، يقف السودان أمام تحدٍّ مصيري يتمثل في إعادة بناء وطن أنهكته الأزمات. وأول طريق للإعمار والتنمية يبدأ من الإنتاج. فالإنتاج ليس مجرد نشاط اقتصادي، بل هو فعل وطني يعيد الثقة بالذات، ويثبت قدرة السودانيين على النهوض من بين الركام. إن مرحلة ما بعد الحرب تتطلب توجيه الجهود نحو الزراعة، الصناعة، وإحياء المشروعات الإنتاجية لتوفير الغذاء والدواء والعمل، ولتحويل السودان من بلد يستهلك ما لا ينتج، إلى بلد يعتمد على موارده ويصدر الفائض للعالم. بهذا وحده يمكن أن تتحول المعاناة إلى فرصة، والدمار إلى بداية لنهضة حقيقية.

يواجه السودان اليوم تحديات جسام بعد سنوات من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك، فإن الأمل في النهوض ما زال قائماً إذا التزمنا بشعار واضح وبسيط: «الإنتاج والعمل الجاد». فهذا الشعار ليس مجرد كلمات رنانة، بل هو الطريق العملي لإعادة بناء الوطن.

السودان يمتلك واحداً من أغنى الأوطان بالموارد الطبيعية، أراضٍ زراعية شاسعة، مياه النيل، ثروة حيوانية هائلة، وموارد معدنية وبترولية. لكن هذه الثروات ظلت إلى حدٍّ كبير خارج دائرة الاستغلال الأمثل. النهضة تبدأ عندما نُحوّل هذه الإمكانات إلى إنتاج فعلي يرفع دخل المواطن، ويزيد من قوة الاقتصاد، عبر تحديث الزراعة، وتشجيع الصناعات التحويلية، وتطوير البنية التحتية.

الموارد وحدها لا تكفي، فالعمل الجاد هو الوقود الحقيقي للتنمية.

 على السودانيين أن يتبنوا ثقافة الانضباط، واحترام الوقت، والإخلاص في أداء المهام. لا نهضة بلا إنتاج، ولا إنتاج بلا عمل جاد. وهنا يبرز دور التعليم والتدريب في إعداد أجيال قادرة على المنافسة والإبداع، بعيداً عن عقلية الاتكالية والاعتماد على الخارج.

حتى يتحقق الشعار، لا بدّ من تضافر الجهود بين الدولة والمجتمع. الدولة عليها وضع سياسات محفزة للاستثمار، ومكافحة الفساد، وتوفير البنية التحتية. والمجتمع عليه أن يغرس قيم العمل والإنتاج في كل بيت وقرية ومدينة. عندما يتحول الشعار إلى ممارسة يومية، تصبح النهضة واقعاً معاشاً.

إن شعار «الإنتاج والعمل الجاد» يجب أن يكون راية يلتف حولها السودانيون كافة، بعيداً عن الانقسامات. فهو المفتاح لبناء اقتصاد قوي، ومجتمع متماسك، ودولة قادرة على النهوض بين الأمم. السودان لا يحتاج إلى شعارات فارغة، بل إلى عرق يتصبب من جبين المزارع، وجهد صادق من العامل، وفكر مبدع من الشباب. هناك فقط تبدأ النهضة الحقيقية.

إنّ الإنتاج الجاد والعمل المخلص هما الركيزة الأولى لبداية أي نهضة حقيقية، فالأمم لا تُبنى بالشعارات ولا بالأمنيات، بل تُقام على سواعد أبنائها وجهودهم المثابرة.

 ونهضة السودان بعد الحرب لن تتحقق إلا إذا جعلنا من الإنتاج مسؤولية جماعية، وشعاراً عملياً يُترجم إلى مشاريع، وزراعة وصناعة وخدمات تنهض بالوطن وتعيد له مكانته. فالجدية في العمل هي الجسر الذي نعبر به من واقع التحديات إلى آفاق الأمل، ومن الانكسار إلى البناء، ومن الاستهلاك إلى الاكتفاء ثم الازدهار. وحين نُحسن استثمار عرقنا وعقولنا، تكون تلك هي الشرارة الأولى لانطلاقة النهضة السودانية المنشودة.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *