
الناجي حسن صالح
رئيس التحرير
• في خطوة مثيرة للجدل، أصرّ وزير الثقافة والإعلام المتحدث باسم الحكومة، على رفض قرار مجلس الوزراء بإلغاء تعيينات ملحقين إعلاميين في سفارات السودان بالخارج، رغم أن البلاد تعيش حالة حرب تستدعي تقليص النفقات إلى أدنى حدّ ممكن. هذا التصرف ليس مجرد خرق للانضباط الحكومي، بل يكشف عن تناقض صارخ بين دور (الوزير) كرجل دولة وموقفه الذي يشبه اندفاع (الناشط) الذي لم يتخلَّ بعد عن أدواره السابقة. والتي نحفظ له من خلالها دوره الوطني البيّن ودفاعاته الواضحة عن السودان ومقدراته.
في وقت يُصارع فيه السودان من أجل البقاء تحت وطأة الحرب والأزمة الاقتصادية، من المفترض أن تكون أولويات الحكومة هي خفض الإنفاق غير الضروري، خاصة في المناصب التي لا تمثل أولوية قصوى، مثل الملحقيات الإعلامية في الخارج. لكن الوزير، بدلاً من ذلك، اختار التشبث بقرار فردي يتعارض مع توجيهات مجلس الوزراء، وكأنه يرسل رسالة مفادها أن رأيه فوق مؤسسة الدولة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هذه التعيينات ضرورية فعلاً؟ أم أنها مجرد محاباة أو محاولة لترسيخ نفوذ شخصي؟ الأكثر إثارة للاستهجان أن الوزير، بموقفه هذا، يُظهر عدم فهم لطبيعة المرحلة، حيث إن دور الملحق الإعلامي، رغم أهميته في الأوقات المستقرة، يصبح ترفاً في ظل حرب تهدد وجود الدولة نفسها.
الأزمة هنا ليست مالية فحسب، بل هي أزمة فهم للدور. فـ(الوزير)، خاصة في منصب حساس مثل الثقافة والإعلام، مُطالب بالعمل ضمن فريق حكومي واحد، وليس كجزيرة منعزلة تُصدر القرارات ثم ترفض التراجع عنها حتى لو ثبت خطؤها. العناد في السياسة ليس شجاعة، بل هو انهزام أمام الأنا، خاصة عندما يكون الثمن هو المال العام وتماسك المؤسسة الحكومية.
يبدو أن الوزير لا يزال يعيش في ذهنية (الناشط) الذي يعتبر التحدي والتصادم وسيلة لإثبات الذات، متناسياً أنه أصبح جزءاً من حكومة يجب أن تتحلى بالمرونة والحكمة. فإذا كان مجلس الوزراء قد قرر إلغاء هذه التعيينات لاعتبارات اقتصادية، فمن واجبه كوزير أن يخضع لهذا القرار، أو على الأقل أن يقدم تبريراً مقنعاً لاستثنائه، لا أن يتخذ موقفاً علنياً يُضعف هيئة الدولة.
الخطر الأكبر في هذا الموقف هو أنه يُرسل رسالة خطيرة، مفادها أن بعض الوزراء قد يبدأون بالتعامل مع وزاراتهم كـ(إقطاعيات) خاصة، حيث يصبح الولاء للقرار الشخصي فوق الولاء للمصلحة العامة. فإذا كان وزير الثقافة والإعلام يرفض الانصياع لقرار حكومي جماعي، فما الذي يمنع آخرين من فعل الشيء نفسه في قضايا أخرى؟
الوزير مطالب اليوم بمراجعة موقفه بشكل عاجل، والتفريق بين دوره كـ(ناشط) حرّ في التعبير عن رأيه، ودوره كـ(رجل دولة) يجب أن يضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار. الحكومة السودانية، في ظل هذه الظروف العصيبة، لا تحتاج إلى تصادمات داخلية، بل إلى وحدة القرار وتقليص الهدر، لأن كل جنيه يُنفق في غير مكانه هو سرقة من جيوب المواطنين الذين يعانون من تبعات الحرب.
العناد قد يكون فضيلة في النضال السياسي، لكنه في إدارة الدولة خطيئة تستحق المحاسبة.
شارك المقال